من يكتب إليك؟
كمحررة، وكاتبة، عليَّ دومًا أن أتخيّل ثمانية تكتب إليك. ليس بالأمر السهل. فثمانية رصينة ومرحة، مثقفة لكن ليست نخبوية.


مع كتابتي هذه التدوينة يكون قد مرَّ عامٌ إلا نيّف على انضمامي إلى منصة ثمانية كمحررة. وأود استغلال المساحة المُعطاة إليَّ هنا حتى أشاركك شيئًا من تجربتي في العمل التحريري.
مقدمة ثقيلة على قلبك، أليس كذلك؟ لا تشبه صوت ثمانية في شيء. أسلوب تقليدي في سلسلة من المفردات المملة، تتوِّجها «إلا نيّف» العتيقة. ونبرة حديثي معك رسميّة جامدة، أشبه برسالة تكتبها سيدة من العصر الفيكتوري إلى حبيبها البارد أمام نار الموقد المشتعلة.
لكنك لست حبيبي البارد، أنت قارئ ثمانية وصديقها المقرَّب. لذا كمحررة، وكاتبة، عليَّ دومًا أن أتخيّل ثمانية تكتب إليك.
ليس بالأمر السهل. فثمانية رصينة ومرحة، مثقفة لكن ليست نخبوية، عصريَّة لكن ليست منسلخة عن هويتها العربية. كل هذه الصفات تزيد من تحدّي الكتابة بصوتها، وتحرير المقالات وفقًا لصوتها.
ولن أكذب عليك، أصعب تحدٍّ لي في مهنتي الجديدة كان النأي عن صوتي، التخفيف من طغيان اللغة الأدبية لديّ بعد أعوام من الترجمة الروائية وكتابة الرواية وقراءة الشعر بشكل يومي. فاللغة الروائية والشعرية على جمالها، إلا أنها تميل إلى الاعتماد على الفنيّات منها إلى البساطة. تميل إلى الضبابية ولا تتطلب الوضوح في الرأي، على عكس المقال.
فالمقال لا يحتمل التعقيد الفنيّ ولا الضبابية، لا يترك لك مساحات فارغة تملأها أنت بخيالك ومعطياتك، كما لا يحتمل الحشو والتمطيط. المقال صريحٌ ورشيق ومتَّزن، وأيًّا يكن تصنيفه، يفترض أن يتركك مع معرفة تحفّز فيك النظر إلى واقع الحياة ببصيرة أعمق.
هذا لا يعني أبدًا أنَّ لغة المقال لا يفترض بها أن تكون جميلة. فالمقال في ذاته فنٌّ أدبيّ. لكن عليَّ أن أتذكر دومًا كمحررة، أنَّ أولويتي ليس إتقان اللغة، بل إتقان صوت اللغة. وأتذكر هنا ما قالته سوزان سونتاگ:
اللغة ليست فنًّا، بل هي الوسيط الذي من خلاله نصنع الفن.
أراجع تدوينتي قبل تسليمها إلى سمر، وأجد أنَّ لغتها نخبوية وأدبيَّة بعض الشيء، لكن لا بأس. فهنا أنا من يكتب إليك.


ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.