بين صناعة الوثائقي وتوثيق اللحظة
طبيعة الشخصيات اليومية، الضحكة والابتسامة الطبيعية. عندما تلتقط الكاميرا كل ذلك، أرى حينها أننا ننتج وثائقيًا حقيقيًا.
في وثائقي «كوبا أند ذا كاميرا مان» (Cuba and the Cameraman)، وثق جون ألبرت مرحلة طويلة من تاريخ كوبا، من الثورة الكوبية إلى يوم وفاة فيدل كاسترو. وأثناء عمله الذي استمر ما يقارب أربعين سنة، كان في كل مرة يحمل كاميرته فقط ويصور الناس ويتحدث معهم.
هذا الفلم الوثائقي يلهمني دائمًا بصنع شيء مشابه، فهو لا يعتمد على التحضير المكثف المسبق بل الصدفة التي تصنع القصة المثلى.
بعد ثلاث تجارب ميدانية في عمل أفلام وثائقية، استشعرت الفرق. لاحظته في أول فلم أنتجته عندما وضعنا ثلاث كاميرات لتصوير إحدى الشخصيات التي شعرت بالتوتر الشديد من تسليط كل هذه الكاميرات عليها.
خضت بعد ذلك مع الفريق نقاش حول أهمية وجود ثلاث كاميرات، ومدى احتمالية اكتفائنا بكاميرا واحدة فقط.
هم يرون أهمية الصورة، وأتفهم ذلك. لكن عندما أعود لمشاهدة «كوبا أند ذا كاميرا مان»، لا أرى حضور الصورة قويًّا بعكس المحتوى الذي أثّر بي وحفزني لإنتاج فلم مثله.
لعل تجاربي قليلة، لكنني أرى في الوثائقي الحقيقي تركيزًا أساسيًا على «توثيق اللحظة». تأتي في بعض الأحيان لحظات أتمنى أن تُوثّق كما أراها الآن، لكن لأن الكاميرا تتطلّب وقتًا لالتقاط الصورة الأفضل، نفقد هذه اللحظة.
مع الوقت بدأنا نميل أكثر إلى توثيق تلك اللحظات، اثنان من الشخصيات يتحدثون بعفوية، أو إحدى الشخصيات تتصرف بطبيعتها اليومية، الضحكة والابتسامة الطبيعية. عندما تلتقط الكاميرا كل ذلك، أرى حينها أننا ننتج وثائقيًا حقيقيًا بعيدًا عن رتابة الإعداد المقنن والتجهيز المكثف، ووضع الشخصية في إطار اللقاء وإخراجه من طبيعته التي قدمت من بعيد لتوثيقها.
أرغب أحيانًا في وضع الكاميرا على كتفي والنزول للتصوير، بهذه التلقائية أؤمن أننا نصنع وثائقيات جميلة، أو على الأقل جميلة بالنسبة لي.
أثق أن الصورة ليست العامل الأساس في بناء الفلم، وبينها وبين القصة مساحة نستطيع فيها توثيق طبيعة الشخصية كما هي دون أيّ تكلّف منه، وكأننا غير موجودين لتصويره.
ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.