شبح المُسوّدة
ستظل المسودة الأولى، وإن منحتها كل طاقتي، مسودة تحتاج إلى التشذيب والضبط ونظرة غيري في الحكم عليها وملء ثغراتها.
عند كتابتي نصًا ما، يراودني دائمًا شعور بأن هذه النسخة هي فرصتي الوحيدة لتقديم أفضل ما لدي. ولكن إن لم يحدث ذلك فهل أنا «أسلق بيض» لا سمح الله؟ أم أن أفكاري تعوزها الجودة فقط؟ وبين إتمام العمل وإعادة كتابته مع نذير «الديدلاين» في بيسكامب كل يوم، تكون النتيجة نصًا بنصف ثقة وكثير من التردد.
سلمت لتوي مستند إعداد ثمانية أسئلة. وحالما نسخت الرابط، اعترتني موجة من الإحباط والقلق. يتكرر هذا الأمر في أي مسودة أسلمها، سواء أكانت نص فلم أم إعداد.
أذكر مثلًا، أثناء عملي في كتابة نصوص أفلام جينوم، أن النص يبقى في عقلي لأيام بعد نقاشي مع الوليد. ثم أبدأ بكتابته، داخل عقلي، وأنقده وأعيد كتابته، ثم أنقده ثم أنقده. وعندما تواتيني الشجاعة لضغط أزرار لوحة المفاتيح يتضاعف القلق، وتخرج مسودة ركيكة بعد جهد نفسي وعقلي أوهماني بروعة إنجازي. فكيف أتغلب على هذا القلق المزمن؟
تقول أسيل إن:
الإبداع عملية ممنهجة تتحرك بالرغبة في الإنجاز والالتزام.
ولكن السر الذي لم أدركه إلا لاحقًا؛ هو حاجة العمل الإبداعي إلى الكثير من المسودات وشحذ الأفكار والجهد البدني والعقلي. فلا يكفي أن أردد النص في عقلي مرارًا، بل لا بد أن أتعارك معه أمام الصفحات البيضاء. وستظل المسودة الأولى، وإن منحتها كل طاقتي، مسودة تحتاج إلى التشذيب والضبط ونظرة غيري في الحكم عليها وملء ثغراتها.
وها أنا، بينما تمتلئ سلة المهملات عندي بالمسودات، أحاول التفاهم مع كبريائي المكسورة، وأنا أشطب المسودة الرابعة.
ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.