الفن كأداة صحافية
في عصر يُحكم فيه على الكتاب من غلافه لا من عنوانه، أتساءل: هل يمكن للفن أن ينقل التجربة الصحفية لبُعد آخر تمامًا؟


آمنت طوال حياتي بقيمة الفن، وجادلتُ -ودافعتُ- عن كونه أكثر من «رفاهية»، وأن دوره وتأثيره يتعدى جدران المعارض والمتاحف. أتذكر نقاشًا دار أثناء زيارتي للمكتب نهاية ديسمبر، قالت فيه سمر سليمان بشكل خاطف إن «الصحافة تستخدم الأدب أداة»، ليُضاء مصباحٌ فوق رأسي.
إن حدود اللغة ليست الحدود النهائية للتجربة. إذ ثمّةَ أشياء لا تقوى اللغة على التعبير عنها، والمحتوى الصحفي المحلي اليوم باهت ورمادي وممل. وفي عصر يُحكم فيه على الكتاب من غلافه لا من عنوانه، أتساءل: هل يمكن للفن أن ينقل التجربة الصحفية لبُعد آخر تمامًا؟ كيف سيكون شكل الصحافة في قالب فنيّ بحت؟
يقول الدكتور عادل مصطفى إن «الفن أداة من أدوات الكشف عن الحقيقة، ووسيلة رمزية للمعرفة. والرسالة التي يبثها إلينا الفن، أعمق من أن تكون لذة حسية عابرة أو متعة جمالية زائلة.» وهذا يعني أن الفن أكثر من صور وألوان جميلة، فهو امتداد مادي ومحسوس لمشاعر التجربة الإنسانية، وأداة قوية ومؤثرة تدفع المتلقي للتفاعل مع القصة والمحتوى تفاعلًا مختلفًا تمامًا.
في الفيديو الترويجي لحلقة المسكوت عنه من «أصوات»، مثلًا، تمثل خرابيش الطباشير واختيارات الألوان الزاهية عنصر الطفولة في القصة، ويعكس التباين الشديد بينها وبين الصور أحادية اللون مدى تنافر الحدث ومكان حدوثه، ويعزز شعور البشاعة والاستنكار فيما يعرف بـ «التجاور الفني» (Juxtaposition Art).
وفي آخر سلسلة نُشرت في «أصوات»، تظهر صور العاملات المنزليات بشكل مكرر. أما ختم التنازل وعنصر التمويه والطمس غير المريح فتدعو المتلقي إلى التساؤل، فيتخيل تجريد المجتمع-دون قصد منه- العاملات المنزليات من إنسانيتهن.
كانت كل هذه تفاصيل بصرية وأساليب فنيّة ليست جمالية، لكنها أساسية لتعزيز الانطباع المرجو من رسالة المحتوى أو سياق القصة.


ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.