كيف نعرّف المحتوى؟
أخوض -أنا نايف العصيمي- نقاشات كثيرة في عملي، يكون جوهرها سؤال ما المحتوى؟ هل فيه قصة؟ هل تستحق أن تروى؟
كان فنس ﮔلـﮔن -كاتب مسلسل بريكنگ باد- عاطلًا عن العمل، وطرأت له فكرة المسلسل خلال مكالمة مع صديقه في تلك الفترة. ذهب فنس بعد ذلك لعرض فكرته على عدد من شركات الإنتاج، لكن فكرته رُفضت في البداية. وكان من بين حجج هذه الشركات أنهم ليسوا مهتمين بعرض مسلسلٍ بطله تاجر مخدرات على شاشاتهم.
أما مسلسل «ذا واير»، تحفة ديفد سيمون الشهيرة التي تتحدث عن فساد مدينة بالتيمور، فقد كان في بداياته يعاني من قلة المشاهدين ويقاوم فكرة الإلغاء. ولم يجد المسلسل اعترافًا من مُقدمي الجوائز مثل جائزة الإيمي إلا لاحقًا، وترشح لها ولم يفز.
الرابط بين المثالين، أن المسلسلين يصنفان الآن على نطاق واسع بأنهما «من أعظم المسلسلات التلفزية.» وفي الجانب الآخر من الكوكب، أخوض -أنا نايف العصيمي- نقاشات كثيرة في عملي، يكون جوهرها سؤال ما المحتوى؟ هل فيه قصة؟ هل تستحق أن تروى؟
وفي قناعاتي المترسخة أننا سنختلف كثيرًا في رؤيتنا للعمل، وسنختلف كذلك في تعريفنا للقصة. لأن كل تلك التعاريف «مطاطية»، وتخضع لأشياء كثيرة، منها الذوق والمزاج وليس بالضرورة لمعايير فنية دقيقة. وإن أخضعنا الموضوع لهذه المعايير سنختلف كذلك، لأن الأصل في العملية الإبداعية أنها «حرة» تقبل تفسيرات مختلفة تمامًا.
لكن الشيء الذي يلهمني في قصة فنس وديفد والمعيار الثابت لهما، أنهما آمنا بقصصهما وما يقدمانه، وهذا هو المعيار الحاسم الذي يجعلك تستمر في ما تقدم، وإن أُحبطت أو لم تحظ بالتقدير الكافي. يقول ريكي جيرفيه في حديثه عن مسلسله «ذا أوفيس» إن «العملية الإبداعية تعاني في بداياتها.» فقد عانى في بداياته هو الآخر، مثل ديفد سيمون، من قلة المشاهدين.
لكني لا أقول إنك ستحقق النجاح عندما تقدم قصتك أو تناضل من أجل طريقة حكايتها، فقد يستمر تجاهل عملك بعد تنفيذك له. إذ لا يحظى الجميع بما حظي به «بريكنگ باد» و«ذا واير» لاحقًا. لكن إن كنت مؤمنًا بقصة أو حكاية وترى أنها تستحق أن تروى، ناضل إذن لأجل أن تروى عبرك. في نظري، هذا هو المعيار الثابت في صناعة المحتوى، وهو المعيار الذي تشعر معه بقيمة ما تقوم به، قبل القيمة التي تحصل عليها من ردود الفعل الإيجابية. أما التقدير الجماهيري أو النقدي فقد يأتي مع الزمن، أو لا يأتي أبدًا. لست أنت من يقرر هذا الأمر.
وتذكر دائمًا، لو لم يكن خلف هذين المسلسلين أشخاص يؤمنون فعلًا بما يقدمونه، لما شاهدناهما يومًا.
ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.