الخيط الرفيع بين الفن و«الحوسة»

ميزة المهام التقنية والإدارية هي وضوح أهدافها ومتطلباتها. على عكس المهام الفنية التي تعتمد على الذائقة أولًا، وتظل عالقة في البال.

منذ انضمامي إلى عائلة ثمانية، تمثلت معظم مهامي اليومية في مهام تقنية وإدارية، أو فنية مثل الإخراج والكتابة وتصميم أغلفة اليوتيوب، هذه المهام تمتعني أكثر. لكن ميزة المهام التقنية والإدارية، في نظري، هي وضوح أهدافها ومتطلباتها. فحين تصل خط النهاية تنتهي المهمة، تقفلها وتنساها. على عكس المهام الفنية التي تعتمد على الذائقة أولًا، وتظل عالقة في البال حتى بعد تسليمها.

العطاء من طباع البشر، لكننا في الأمور الفنية قد نعطي أكثر مما يجب، وقد يؤدي بنا ذلك إلى الحشو. هل زادت المؤثرات المرئية التي أضفتها في برنامج «فيوتشر تك» (FutureTech) من جمال الحلقة، أم شوهته؟ هل كان تشبع الألوان مناسبًا، أم أنه حرق عين المشاهد؟ هل حركت اختياراتنا الموسيقية في بودكاست «أصوات» مشاعر المستمع، أم أبعدت انتباهه عن القصة؟ 

إليكم مثلًا غلاف وثائقي «قصاص الأثر» إذ كان المقترح الأول مزدحمًا رغم جماله. فعلى أي شيء سيركز المشاهد؟ وجه البطل أو القاتل، أو الزجاج المكسور أو بقع الدم أو السيارة؟ لا شك أن متصفح اليوتيوب سيختار الضغط على صورة أخرى واضحة تجذب نظره أكثر وهو يمر على عشرات المقاطع. ولذا قرر الفريق تبسيط الغلاف وضبط الألوان للخروج بغلاف نظيف ومريح للعين. 

هناك خيط رفيع يفصل بين الفن و«الحوسة». وكلما وقعت في معضلة فنية، لجأت إلى تطبيق قواعد بسيطة تساعدني على مواجهة مأزقي. فأبتعد عن المشروع تمامًا عندما أنتهي منه، حتى تتجدد نظرتي له بعد ثقل التركيز والتأمل. ثم أستشير شخصًا أثق بذوقه، ليعطيني إجابات واضحة وصريحة من دون مجاملات. وأخيرًا، أراجع هدف المشروع، فقد أنسى رسالته الأساسية، لانغماسي الشديد فيه. صحيح أن الفن لا يقبل الصح والخطأ، فكلٌ له رأيه ونظرته، ولكن تذكر أنه إن زاد عن حده، انقلب ضده. 

النشرة السرّية
النشرة السرّية
أسبوعيّة، الأحد منثمانيةثمانية

ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.