الألعاب الصوتية في البودكاست

لا يكفي أن تعرف ماذا تقول، ولكن كيف ستقوله. ما هي ألعابك الصوتية-كما أحب أن أسميها- التي ستأخذ بها المستمع في رحلة ماتعة؟

«الناس أذواق»، كلمتان أشتري بهما راحة بالي. أقولها لأصدقائي دفاعًا عن أغاني الراب والمهرجانات المصرية التي أُسمعهم إياها قهرًا. ولم أكن أتوقع أن أرميها على مسامع زملائي في العمل حين لا أجد أسبابًا منطقية للعبة صوتية نفذتها في حلقة ما.

أقول لنفسي، يكفيك شعورك بأن أذنك في مكانها الصحيح. كنت أفهم هذا جيدًا في ذوق الأغاني واختلافه عند كل أحد منا، ولكن لم أتوقع أن أستفيد منه في عملي بمجال البودكاست. وتحديدًا في الإخراج الصوتي، فإما أنه يرفع الحلقة ويُعطيها أبعادًا جديدة أو يهدمها ويبتذلها.

لا يكفي أن تعرف ماذا تقول، ولكن كيف ستقوله. ما هي ألعابك الصوتية -كما أحب أن أسميها- التي ستأخذ بها المستمع في رحلة ماتعة؟ كيف ستجذب سمعه من أول ثانية؟ كيف ستآلف وتوافق بين الأصوات في الحلقة؟

بدأت أدرك مع عملي في مجال البودكاست أن وجود نص قوي لا يكفي لأن تخرج قصة قوية صوتيًا. ضبط جودة الصوت، واختيار المؤثرات الصوتية والموسيقا الملائمة، ولحظات الصمت، والفواصل، كلها مهمة لسرد القصة. عبرها «تُغشش» مخيال السامع مكان الحدث وزمانه وشخصيّته أحيانًا، كما تصف عبرها المشهد المحكي أو تعكسه وتعمق ما به من مشاعر. وأحيانًا، تُعينك على خلق طبقة جديدة من الشعور، تُضفي معنى إضافيًا على المكتوب.

من الصعب والمهم أن تكون حساسًا وذواقًا تجاه كل تلك التفاصيل الصوتية في الحلقة. في بداية مشواري قالت لي زميلة إن عليّ أن أكون شجاعًا أكثر وأن أجاهر بذوقي أكثر في الإخراج. كانت تلك نصيحة مهمة، أحاول من يومها أن أكون شجاعًا وكريمًا في ألعابي الصوتية. أثق في ذوقي دون أن أفقد حساسيتي تجاه كل ذبذبة تملأ حيز الحلقة. 

شعرت بهذا التحدي في أولى الحلقات التي عملت عليها في بداية مشواري مع ثمانية، الحلقة الثانية والثالثة من سلسلة «للتنازل». كانت كل حلقة منهما تحكي تجارب مختلفة. في مثل هذه القصص، أشعر بحساسية أخلاقية تجاه القصة، فأنا مؤتمن عليها. لذا ابتعدت قدر الإمكان عن اختلاق الدراما في الثانية، والفرح في الثالثة؛ أُبرز القسوة دون ابتذالها، وأُشهر الحب دون رمسنته.   

رغم كل ما مضى، سيبقى أكثر ما يربكني ويستوقفني في الرحلة السمعية، تلك اللحظة التي يسكت فيها كل شيء، ويحل الصمت محل الذبذبات. 

ماذا عنك عزيزي السامع القارئ؟ هل تربكك تلك الذبذبات أم تثير فيك ألوانًا من العواطف؟

النشرة السرّية
النشرة السرّية
أسبوعيّة، الأحد منثمانيةثمانية

ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.