لا بأس بشيء من الفوضى
منذ كنت طالبة وأنا أحب السهر والدراسة ليلًا، فتركيزي وأفكاري الإبداعية وطاقتي الكتابية، تتدفّق كلها في الساعات التي تلي منتصف الليل.
يمدح الكثير من الأصدقاء في ثمانية، بل والكثيرين حول العالم، الصباحات الباكرة، زاعمين أنها الأفضل في توليد الفكر الإبداعي، وترتيب المهام اليومية.
أما بالنسبة لي، فمنذ كنت طالبة وأنا أحب السهر والدراسة ليلًا، فتركيزي وأفكاري الإبداعية وطاقتي الكتابية، تتدفّق كلها في الساعات التي تلي منتصف الليل، إذ تمكّنني ساعتان من الليل تقريبًا من إتمام ما يتطلّب إنجازُه نهارًا كاملًا، كأن أنهي قراءة روايةٍ قصيرة أو مسرحيةٍ كاملة، ثمّ أفهم آراء النقّاد حولها، وبعدها أكتب مقالتي النقدية الخاصة، وأتدرّب على مناقشتها، كلّ هذا أنجزه قبل سماع أذان الفجر.
وبحكم ظروف العمل فقد ودّعت عادة السهر منذ سنتين، فأنا لم أعد شذى طالبة الأدب الإنقليزي. وكوني مسؤولة عن النشر في ثمانية -بإنتاجات لا تتوقّف- فهذا يتطلّب مني البدء بمتابعة الإنتاجات منذُ الصباح وحتى المساء، لأتأكد من أنّ كل المحتوى بملحقاته جاهز للنشر. وبالطبع لا يمكن فعل هذا في ساعات متأخرة من الليل، فمن يلبّي ندائي حينها لو اكتشفت أنّ وصف حلقةٍ أو فلمٍ ما غير جاهز؟
بعد تجربة الاستيقاظ مبكرًا في السنة الأولى افتقدتُ الحسّ الإبداعي تمامًا، وصرت أميل إلى الأعمال الروتينية التي لا تتطلّب مجهودًا فكريًّا. وهنا أختلف مع أسيل في قولها: «الالتزام لا يقتل الإبداع»؛ لأني افتقدت جزءًا كبيرًا من قدراتي الإبداعية، من كتابةٍ وعزفٍ بعد التزامي بالنوم مبكرًا!
يشاركني البعض في هذا الاعتقاد، بأن الروتين والالتزام لا يناسبان الجميع، ويرون أنه ليس شرطًا لإتقان أمرٍ أو اكتساب عادةٍ جديدةٍ.
لكن تبقى العودة إلى السهر -بحجة غياب الفكر الإبداعي- غير مُقنعة أبدًا، فهذا القدر من الفوضى غير آمن.
هذه السنة، بتُّ أخصّص نهاية الأسبوع للسهر فقط، لأرى نفسي أعود إلى استغراق ساعاتٍ وساعاتٍ في أمور أحبها، كحضور دروس في مجالات مختلفة عن مجالي الحالي، ولإنجاز بعض المهام الجديدة في عملي أيضًا، كهذه التدوينة التي كتبتها في حدود الساعة 2:00 بعد منتصف الليل.
لن أُنكر أنني أُنجز الكثير من الأمور -إلى جانب عملي- خلال الأسبوع، كالرياضة وتدريبات كرة السلة، لكنّي ألتزم بها إيمانًا بأهميتها. من جانب آخر، إنجازات نهاية الأسبوع لها طابع مختلف، فهي وإن كانت ليست ضمن مهام العمل، إلا أنها تبعث شعورًا جميلًا. وهذا ما أوصلني إلى استنتاج أنّ قليلًا من الفوضى يخلق الإبداع عند البعض.
وكأيّ فكرة فأنا لا أعرف إلى متى سأتشبّث بها، فربما أجد النوم باكرًا في عطل نهاية الأسبوع على رأس خططي المستقبلية للعام القادم.
ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.