لا تغفل عن كونك إنسانًا
استوعبت أن من أهم الأجزاء في عملي بالصحافة، يكمن في التقاطع مع المشاعر الإنسانية الحقيقية، الصادمة وغير المتوقعة.
زاد اهتمامي بالعثور على القصص الإنسانية، خلال هذه الفترة، وتحديدًا بعد عملي على حلقة «المغاتير» من بودكاست أصوات، لم يكن هدفي إيجاد قصص عظيمة لرحلات كفاح، ولا متعافٍ من مرض عضال مثلًا. بل انفتحت شهيتي للتوثيق، توثيق قصص بسيطة ودافئة.
حكت لي الوالدة، في جلسة عصرية، بعض القصص عن الجيران. تكلمنا عن «أم فلان» التي تبحث حاليًّا عن زوجها السابق الذي لم تره قبل أربعين سنة، وهي الآن تطلب المساعدة في البحث عنه.
شاركت هذه القصة الزميل مشاري الحمود منتج بودكاست أصوات. صدمني حماسه، واقترح أن نعمل على البحث معًا، بصفته توثيقًا صحفيًّا نقدمه في حلقة ضمن البودكاست.
كانت مشاعري خاملة، لكوني غير مقربة من هذه الجارة. عمومًا بدأت البحث، وأخذنا أنا ومشاري الموضوع بجدية أعلى. نبحث هنا وهناك، نسجل ونربط الأحداث ونسأل الدوائر المحيطة بنا، ونحاول -للمرة المليون- إقناع السيدة لتوثيق القصة صوتيًّا وأخذ الموافقة منها.
خططت لمقابلة ابنة أخت جارتنا، التي كانت زميلتي في المدرسة، بهدف معرفة المزيد من المعلومات، وفجأة، صدمتني حين قالت إن خالتها «صاحبة القصة» لم يسبق لها الزواج.
والأمرّ من ذلك، أن خالتها تعاني من مرض الفصام منذ مدة طويلة. بمعنى؛ الشخص الذي كنا نبحث عنه لمدة أسابيع تسبق تاريخ المقابلة، من نسج الخيال، ولم يُخلق على الإطلاق!
بعد الصدمة، وإعادة التفكير بالقصة، وجميع المواقف التي حصلت بيني وبين هذه السيدة، تذكرت اللحظات التي كنت أنظر تجاهها من ثقب إبرة، واستوعبت أن من أهم الأجزاء في عملي بالصحافة، يكمن في التقاطع مع المشاعر الإنسانية الحقيقية، الصادمة وغير المتوقعة. وهذا التقاطع، إما يصنع منك إنسانًا مُراعيًا للآخرين، ومتفهمًا احتياجاتهم ودوافعهم، أو إنسانًا يبحث عن المحتوى أينما وجد، حتى وإن كانت وسائل البحث غير أخلاقية.
ما حدث علمني درسًا إنسانيًّا عظيمًا، درسًا عن انطباعات القصص وافتراضاتي الخاصّة عنها، وأن «الصحافة الإنسانية» هي مفهوم مبسط عن التواضع والتفهم؛ فلو لم يكن الاستقصاء دافعي، لم أكن سأصبح صديقة هذه المرأة المُسنة.
هذا ليس منشورًا توعويًا لإثارة عاطفتك، بل لإجبارك على مراجعة أحكامك على الآخرين، وبضرورة ألَّا تقسو عليهم.
والأهم، لتذكيرك دائمًا بضرورة أن تكون إنسانًا.
ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.