محمد بن كلفوت؛ هل يجب أن نصور جنوب المملكة بكاميرا الدرون؟
قابلنا محمد بن كلفوت. نسمع منه عن أشجار للبن تتوارثها الأجيال على مدى 500 عام، وعمّا يعني له خنجره الذي ورثه من والده.
في فلم محمد بن كلفوت كانت محاولة لطرح أسئلة سِلم الشجرة قبل الثمرة، سلم وأعراف شجرة القهوة التي يعيش معها أهل قرية الشامية في جبال القهر أعلى محافظة الريث في جازان.
أفهم وأعرف سلوم شجرة الأثل في أرضنا، كأن تكون دلالة على الملكية وغيرها، فإن رأيتُ شجرة أثل وحولها آثار زرع وحرث فما «يطري علي» إلا أنها أرض لناس عاشوا وبادوا وكانت هذه أرضهم، أو ناس عاشوا ومازالوا في أرضهم إلى اليوم.
وصلنا لمطار جازان بين العشاءين، بتنا ليلتنا الأولى في فندق في مدينة جازان، كانت ليلة رطبة وغير خالية من نسمة هواء منعشة، وانتهى يومنا بعشاء ظريف من مطعم «كباب عبدو».
في ظهر الغد زارنا أبو هلال، أقلّني معه في سيارته، وعبدالعزيز ومحمد خلفنا بسيارتهما. الوجهة جبال القهر، قرية الشامية في محافظة الريث خصوصًا. للطريق مشقة وللجبال هيبة في النزول والصعود وهي معبدة بالأسفلت، «وش عاد» لو كان 85% من الطريق إلى القرية منه غير معبد؟ هذه مشقة لا تظهرها كاميرة «الدرون» ولا تصفها. تعطيك عكس هذا الشعور تمامًا!
قرأت سابقًا ما يسمى: «عدسات الثقافة»، يذكرها ماثيو أنقيلكه في كتاب «كيف تفكر كأنثربولوجي؟». يقول: «الفكرة العامة التي تقوم عليها الأنثربولوجيا بأكملها هي التقاط وجهة نظر الساكن الأصلي وعلاقته بالحياة ورؤيته لعالمه الخاص. إن امتلاك وجهة نظر في هذا المعنى لا يعني امتلاك رأي ما، ولا يتعلق بتفضيلات الساكن الأصلي واختياره بين القلقاس أو البطاطا الحلوة، أو بشأن السيارات المكشوفة، أو الانتماء إلى حزب العمال. بل وجهة النظر في هذا السياق أكثر شمولًا وتنعكس فيما نسميه الإدراك السائد أو النظام الطبيعي للأشياء.»
وعلى هذا ومنه فإنا في كل فلم نعمل عليه في «فلان»، تكون غاية الفلم الأساسية أن ننقل حياة وعادات المجتمع كما هي، من غير تلميع ولا تزييف، وأن يرى أهل هذا المجتمع أنفسهم بأفضل صورة فيه ولا تعارض بينهم. كنت قد أسهبت في رفضي لفكرة تصوير أرض الجنوب بكاميرة «الدرون» لصديقي المعماري سهل باهبري، وأني أرى فيها أسلوبًا «متحفيًا» واهتمامًا غير مفهوم بتضاريس الأرض ونسيان إنسانها. ابتدأ السياق من فكرة: لماذا نرفض تصوير المتاحف وأصحابها؟ وهذا نقاش آخر يطول ذكره.
فكان تعليق الصديق: «في رأيي في العمارة أن من يحرص على تصوير مبناه من الأعلى هو بالضرورة حريص على إبراز تفاصيل المكان على الإنسان، وأبدى اهتمامًا بالكتلة أكثر من ساكنها، على عكس من بنى تصوّر مبناه على مرمى نظر الإنسان». لماذا أحب المعماريين؟ لهذا.
هذا ليس اعتراضًا على المبدأ أو أن «الدرون» لا قيمة ولا ميزة لها! على العكس، فيها ما لا تظهره الكاميرات التي على الأرض. بل أسجّل اعتراضي على أسلوب أراه متبعًا لكل من ذهب إلى تلك الأرض وصوّرها دون غيرها من أعلى، وعلى أن العدسة تصبح غالبًا أعلى والمكان أغلى من الإنسان.
أغلى ما في فلمنا هذا هو أبو سلمان محمد بن كلفوت هو وربعه وجماعته. أكرمونا بكرمهم وقابلونا بحجاج طلق، وروح شرحة. ولكن كيف يبدأ أبو سلمان يومه، وكيف يعيشه؟ وما عادات وسلوم هذه القرية، وما رموز الكرم والشهامة والعار، من اللحية لـ«الجنبيّة» حتى أشجار البن؟
وثائقيات «فلان» عن الإنسان المحلي وارتباطاته بالعالم من حوله.