ليش الأفلام الهندية فيها مبالغات؟ 🤣🇮🇳

زائد: الأكشن في بوليوود لا يقتصر على القوة البدنية.

البطل في الأفلام الهندية / تصميم: أحمد عيد
البطل في الأفلام الهندية / تصميم: أحمد عيد

في حفل الأوسكار الماضي استطاع شون بيكر الحصول على جائزة الأوسكار عن أفضل كاتب سيناريو وتحرير وإخراج. حصوله على الجوائز الثلاث الإبداعية التي تُعد الأهم في صناعة أي فِلم أمر مبهر! وفي اعتقادي، يأتي هذا الإنجاز لأنه الكاتب الأساسي.

يستطيع الكاتب البارع أن يقوم بكل المهام الإبداعية الأخرى، فهو يبني الرؤية التي منها يصنع الفِلم بأكمله. لكن في اعتقادي، لا يستطيع المخرج الذي لا يكتب، أو المحرر لوحده أن يقوما بتلك المهام الإبداعية الثلاث بالقوة نفسها التي للكاتب.

نايف العصيمي


فلم «3 Idiots»
فلم «3 Idiots»

فِلم «Singham»
فِلم «Singham»

اليوم نقول أكشن مع واحد من أكثر المشاهد جنونًا في تاريخ بوليوود، من فِلم «Singham»، الصادر عام 2011، من إخراج روهيت شيتي، ومن بطولة أجاي ديفجن.

يحكي الفِلم قصة «باجيراو سينقام»، وهو مفتش شرطة نزيه وشجاع يعمل في قرية صغيرة تُدعى شيفجاد، تقع على الحدود بين ولايتي ماهاراشترا وقوا في الهند.

يدير «سينقام» مركز الشرطة بحزم وعدالة، ما يجعله يحظى باحترام أهل القرية. لكن تنقلب حياته رأسًا على عقب عندما يصطدم بـ«جايكانت شيكري»، المجرم الفاسد الذي تحوّل إلى سياسي نافذ في ولاية قوا.

تبدأ المواجهة عندما يحاول أحد أتباع «شيكري» ابتزاز سكان شيفجاد، فيعتقله «سينقام»، مما يثير غضب «شيكري». يستخدم الأخير نفوذه لنقل «سينقام» إلى قوا، حيث يتحكم في الشرطة والنظام السياسي. هناك، يجد «سينقام» نفسه محاطًا بالفساد والضغوط لإخضاعه، لكنه يرفض المساومة على مبادئه. وفي الوقت نفسه، تنشأ بينه وبين امرأة تُدعى «كافيا» علاقة عاطفية، إلا أن عائلتها تتورط في مخططات «شيكري»، ما يزيد تعقيد الأمور.

في قوا، يواجه «سينقام» بيئة معادية خاضعة لهيمنة «شيكري»، ومليئة برجال الشرطة الفاسدين. في البداية، يتعرّض «سينقام» لضغوط بهدف إخضاعه لإرادة «شيكري»، لكنه يرفض التخلي عن مبادئه. وتصل الأحداث إلى ذروتها عندما يُدفع أحد مرؤوسي «سينقام» المخلصين إلى الانتحار بسبب إهانات رجال «شيكري»، فيشعل ذلك غضب «سينقام» ويقوده إلى الانتقام من «شيكري».

يأتي هذا المشهد الشهير في منتصف الفِلم، وبعد سلسلة من المضايقات التي يتعرّض لها «سينقام» من مجموعة من أتباع «شيكري». يواجه «سينقام» هذه المجموعة بكامل قوّته، حيث يقتلع «سينقام» عمود إنارة ويستخدمه سلاحًا، في لقطة تجسّد قوانين «بوليوود»، إذ لا يقف شيئًا أمام البطل، حتى لو كان في مواجهة سبعة رجال دفعة واحدة! 

تقرّر المجموعة -بغرابة- الهرب. لكن، ولأن «الحظ» لا يقف أبدًا في صف الأشرار في عالم بوليوود، تتعطّل سيارتهم في اللحظة الحاسمة، وكأن القدر نفسه يساند «سينقام». وبمجرد أن تعمل السيارة أخيرًا، تتعالى موسيقا الفِلم الحماسية، التي تُمجّد في كلماتها شخصية «سينقام»، وتؤكد أنه لن يدع الشرّ يفرّ من قبضته.

لكن الجنون لا يتوقف هنا؛ ففي قمة اللامنطق، يهاجم «سينقام» السيارة بعمود الإنارة، قاذفًا بها نحو البحر. ثم يلحق بمن سقطوا منها، ويطارد الفارين ليعيدهم إلى ساحة المعركة، ويرافقه صوت زئير مع كل نظرة غاضبة، ومع كل صفعة يوجهها، حتى يجمعهم جميعًا، ويعطي سلاحه لـ«كافيا»، وينزع حزامه ليبدأ بجلد العصابة كاملة، في مشهد بات رمزًا للمبالغة المطلقة في أفلام بوليوود.

صُوّرت العديد من مشاهد الأكشن عمليًّا دون مؤثرات بصرية، حيث أصرّ المخرج روهيت شيتي على استخدام سيارات حقيقية لتنفيذ مشاهد الانفجارات والمطاردات في المواقع نفسها. 

ولم يقتصر التحضير على الجانب التقني، بل شمل أيضًا التحضير الجسدي، إذ خضع بطل الفِلم أجاي ديفجن لنظام تدريبي صارم لتشكيل بنية جسدية تتناسب مع شخصية «سينقام»، ليبدو كالمحارب. كما نفّذ مشاهده القتالية بنفسه، دون الاستعانة بممثل بديل.

تحوّل هذا المشهد إلى أيقونة على الإنترنت، حاصدًا ملايين المشاهدات، وحقّق الفِلم نجاحًا ساحقًا أدى إلى إنتاج أربعة أفلام أخرى تتمحور حول شخصية «سينقام»، ليصبح واحدًا من أشهر رموز بوليوود.


فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن

الأفلام الهندية / Getty Images
الأفلام الهندية / Getty Images

في أفلام بوليوود قد يسقط البطل من ارتفاع شاهق وينهض دون خدش، وقد يطلق الشرير عشرات الرصاصات، ويتفاداها البطل بحركات تكسر قوانين الفيزياء. لكن هذه التفاصيل ليست أخطاء في الإخراج، ولا تُعّد حتى إخراجًا سيئًا بالمقاييس البوليوودية، بل تُعد جزءًا أصيلًا من هويتها السينمائية التي تجعل المستحيل ممكنًا، والمبالغة فنًّا قائمًا بذاته.

الأكشن في بوليوود عالم منفصل عن الواقع، حيث لا تُقاس المشاهد بالمنطق بقدر ما تُصمم لتكون استعراضات بصرية، حتى لو كان ذلك يعني أن يتصدّى البطل لمركبة مسرعة بقبضة يده.

ولا يقتصر الأكشن في بوليوود على القوة البدنية، بل يحمل شحنة عاطفية! فعندما يواجه البطل الأشرار، يُظهر مهارته وغضبه وانتقامه. تبرز هنا الميلودراما التي تميّز بوليوود، فتنهمر الدموع بغزارة، وتُلقى الحوارات بأسلوب مسرحي يصل إلى قلب الجمهور.

هذا النهج ليس وليد الصدفة، فتاريخ السرد الهندي يعجُّ بالملاحم والأساطير التي أظهرت الأبطال ككيانات تفوق البشر، مثل «كريشنا» الذي يُصوَّر في الأساطير بقدرات خارقة، كرفعه جبل «جودا» بيد واحدة، وقتال الأعداء بقوةٍ خارقة. و«شيفا» الذي يُمثّل القوة المطلقة القادرة على تدمير العالم.

مع ظهور السينما، لم تتخلَّ بوليوود عن هذا الإرث، بل عزّزته وأضافت إليه طابعها الخاص، حيث التقت الدراما المكثّفة بالأكشن الخيالي، لتنتج أفلامًا لا تبحث عن الواقعية، بل عن التأثير، وعن اللحظات التي تُحفر في الذاكرة حتى وإن كانت غير منطقية. فظهر أبطالها بقدرات مشابهه لقدرات الأساطير الهندية.

وبهذه المعلومة نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن بوليوود، أحد أعرق وأكبر أسواق صناعة الأفلام في العالم.

  • يلعب الجانب الاقتصادي دورًا كبيرًا في هذا النهج، فالأفلام الهندية تستهدف جمهورًا ضخمًا في العالم كله. ولأن بوليوود تُعدّ صناعة ضخمة قائمة على الإبهار، فلا بد من تقديم محتوى يجذب جميع الفئات، حتى لو كان على حساب التخلّي عن الواقعية لصالح الإثارة المطلقة.

  • تستلهم بوليوود أيضًا من صناعات أخرى، لكنها تضيف إليها طابعها الخاص. فعندما تأثرت بأفلام فنون القتال في هونق كونق، لم تكتفِ بتقديم مشاهد مشابهة، بل مزجتها بحركات استعراضية مستوحاة من الفنون التقليدية الهندية، ما أعطى الأكشن الهندي طابعًا يختلف عن أي سينما أخرى.

  • الطابع المسرحي للأداء يمكن تفسيره أيضًا؛ فالكثير من نجوم بوليوود بدؤوا مسيرتهم على خشبة المسرح، حيث يتطلب الأداء هناك المبالغة في التعبير كي تصل المشاعر إلى الجمهور. وعندما انتقلوا إلى السينما، حملوا معهم هذا الأسلوب.

  • الأغاني والرقصات عنصر آخر يعزز من طبيعة المبالغة في بوليوود. فبدلًا من أن تتوقف الأحداث ليفكر البطل في معاناته الداخلية، تتحوّل هذه اللحظات إلى استعراض موسيقي تتظافر فيه الألوان والرقص والموسيقا لإيصال المشاعر، وتُوظف في سرد القصة وإبراز الصراع العاطفي للشخصيات.

  • من أبرز المشاهد الشهيرة من أفلام بوليوود، التي أصبحت أيقونية بسبب مبالغتها، هذا المشهد من «Singham»، الصادر عام 2011، حيث يواجه الشرطي «سينقام» رجال العصابة بمفرده، ويتفوق عليهم بقوته الخارقة، معلنًا بداية حربه ضد الفساد. أيضًا هذا المشهد من فِلم «Ghatak»، الصادر عام 1996، حيث يُظهر «ساني ديول» قوته في قتالٍ وحشي، وغضبه في حوار مليء بالانفعالات العاطفية. 

  • أحد أبرز أيقونات بوليوود و«توليوود» (جنوب الهند) هو الممثل راجنيكانث. وواحدة من أشهر حركاته التي جعلته أيقونة، طريقته في إشعال السجائر. ففي العديد من مشاهد أفلامه يمسك السيجارة بحركة سريعة، يرميها في الهواء، ثم يلتقطها بفمه قبل أن يشعلها بكل هدوء وثقة. تعلم راجنيكانث هذه الحركة منذ أيام شبابه، وكان معروفًا بين زملائه وأصدقائه بحركاته البهلوانية بالسجائر، وهو ما لفت انتباه صُنّاع الأفلام لاحقًا، لتصبح جزءًا من هويته في أفلامه.

الأفلامالموسيقا
النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
أسبوعية، الخميس منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+40 متابع في آخر 7 أيام