هجمة واعدة: كيف تغيرنا المدينة؟ ⚽
زائد: أول فوز للقصة القصيرة بالبوكر الدولية 🌟


في واقعة أثارت جدلًا واسعًا، تعرّضت صحيفة شيكاقو صن تايمز لانتقادات حادة عقب نشرها قائمة قراءة صيفيّة تضمّنت عناوين كتب غير موجودة، تبيّن فور نشرها أن القائمة أُنشئت بالذكاء الاصطناعي دون مراجعة تحريرية دقيقة، ممّا أغضب الصحفيين الذين رأوا أن نشر محتوى زائف بجوار مقالاتهم الرصينة والحقيقية يمس مصداقيّة الصحيفة ومصداقيّتهم.
الخطأ لم يؤثر فقط بسمعة الصحيفة وثقة قرائها، بل تفاقم حين شاركت عدة صحفٍ تلك القائمة مع جمهورها دون التحقّق من صحتها. في أعقاب هذه الفضيحة، قدّمت الصحيفة اعتذارًا رسميًّا، متعهدة بمراجعة سياساتها التحريريّة لضمان عدم تكرار مثل هذه الأخطاء مستقبلًا.
ما جعل الأمر طريفًا بالنسبة إليّ هي الطريقة التي خلط بها الذكاء الاصطناعي بين عناوين مزيفة وأخرى حقيقيّة، إذ أدرج كتبًا مثل «صباح الخير يا حزن» لفرنسواز ساقان ورواية إيان ماك إيوان «تكفير»، إلى جانب عناوين غريبة نُسبت لكتاب حقيقيين، مثل إيزابيل الليندي، التي كتبت -حسب الذكاء الاصطناعي- رواية عن المناخ اسمها «أحلام المد».
هذا الخبر، مع ما يحمله من طرافة، يحمل جانبًا مرعبًا إذا ما علمنا أن السبب الحقيقي وراءه هو تخفيض عدد موظفي الصحيفة، ومنهم محررون محترفون. مرعبٌ أن يأخذ الذكاء الاصطناعي مكاننا بالكذب والتزييف، وكأن المنافسة مع البشر غير كافية كي نصاب بالقلق.
عمومًا، انتظروا قائمة «حقيقيّة» من نشرتنا بمناسبة الصيف في عدد خاص الشهر القادم. وإلى ذلك الحين، نتابع مع ابتسام المقرن هجمةً واعدة كادت أن تسجل الهدف، وأحدّثكم عن المرأة التي حملت ثوب الساري ولغتها الكاندية لجائزة البوكر العالمية.
إيمان العزوزي


هجمة واعدة: كيف تغيرنا المدينة؟ ⚽
قد تظن أن رواية «هجمة واعدة» للكاتب السعودي علوان السهيمي مجرد رواية عن كرة القدم، لكنها في الحقيقة رحلة إنسانية عميقة. رحلة شاب يطارد حلمه حتى أنسته المدينة نفسه، وعلّمته أن النجاح السريع قد يخفي وراءه خسائر لا تُعوّض.
«وليد» شاب موهوب، قادم من أحد أفقر أحياء مدينة تبوك، ويوقّع عقدًا احترافيًّا مع أهم أندية مدينة الرياض، فتفتح له الشهرة أوسع أبوابها.
تردّدت كثيرًا قبل قراءة هذا العمل لأني لست من محبي كرة القدم، ولا أعرف أسرارها وخباياها، وما إن بدأت القراءة شدني العمل بلغته السلسة ومعالجته الاحترافية. يبدأ العمل بمشهد مؤثّر وافتتاحية ذكرتني بـ«غريب» ألبير كامو. يقول اللاعب «وليد»: «بمجرّد أن عدت إلى البيت ماتت أمّي». من أول جملة ينجح الكاتب في الإمساك بي، وكأني أشاهد مباراة سجّل فيها السهيمي هدفًا منذ الدقيقة الأولى.
يكتشف «وليد» موهبته، ويسعى لتنميتها على ما تلقاه هذه الموهبة من مآلات مختلفة في زمن تطغى عليه مفاهيم الشهرة والمشاهير. ولأن الرواية بدأت بمشهد النهاية، ستقرؤها وأنت تحدوك الرغبة في معرفة كيف انتكست موهبة «وليد» ويصل إلى ما وصل إليه، وكيف تحوّلت هذه النجاحات إلى خسارة كبرى لا يمكن تعويضها أبدًا، وستأسف على لاعبٍ يجيد اللعب داخل المستطيل الأخضر، لم يقدر على مراوغة الناس والتعامل معهم بذكاء، كما كان يؤكد بثقة: «صانع الألعاب لا يحتاج إلى العضلات، إنما يلزمه الذكاء والمكر».
إن كنت مهتمًّا بكرة القدم، ربما ستستمتع بتفاصيل اللعب وما يدور بين اللاعبين من أسرار وأحاديث، وإن كنت لا تعرف الكثير عن الكرة، فـالسهيمي سيأخذك في جولة ممتعة، تكتشف فيها عالمًا جديدًا ومدهشًا في تفاصيله التي عرضها بذكاء لا يشعرك بالملل. والرواية جاءت بضمير المتكلم، يأخذنا البطل معه في رحلة منذ طفولته وبداية موهبته التي انتبه لها معلم التربية البدنية في المرحلة المتوسطة، وتنبأ له بمستقبل زاهر: «راح تكون لاعب كبير، أنت موهوب، لكن لا تدفن نفسك في تبوك». فينقل لنا مشاعره بعد انتقاله للرياض، وكيف شاهد هذه المدينة الضخمة التي لا يعرف فيها سوى شقته ومقر النادي.
يغوص الكاتب في تفاصيل حياة اللاعبين، وتمارينهم الرياضية، ومبارياتهم، وسفرياتهم التي قد تكون الأولى لهم مع ناديهم. فَتحتْ كرة القدم لـ«وليد» آفاقًا ومنحته فرصًا ربما لم يكن يحلم بها يومًا، وعاش حياة الثراء التي عزّزت طموحه، وأصبح فجأة محط أنظار الجميع في حله وترحاله. تراوده قناعة بأنه لا يقلُّ شأنًا عن ميسي طالما أن الكل يسأل عن أخباره ويسعى لالتقاط الصور معه ويلاحقه في كل مكان.
يرافق القارئ البطل في رحلة داخليّة، ويرصد أثر النجاح المفاجئ فيه، وكيف تحولت شهرته المرغوبة إلى قيدٍ يجعله يشعر وكأنه في سجن صغير، في مفارقة واضحة مع صخب المدينة. ومع أن القصة تحكي سيرة لاعب كرة قدم، فجوهرها ينطبق على أي شخص يلاحق حلم الشهرة -مطربًا كان أو ممثّلًا أو كاتبًا أو مؤثّرًا على مواقع التواصل- ليجد نفسه في النهاية أمام المأزق نفسه ويقع في الفخ نفسه.
«هجمة واعدة».. رواية عن الضوء الذي يغوي، والمدينة التي تبتلع، والملاعب التي لا تكفي وحدها لصنع الإنسان.

كيف تغيّرنا المدينة؟
انتقل الكابتن «وليد» من قريته الصغيرة إلى مدينة كبيرة، لا يحمل معه من الزاد سوى حلمه وموهبته التي تسري في ساقيه. ومع بزوغ نجمه، يلتقي بحبيبته «ثريا» التي تلقبه بـ«صانع الألعاب الوسيم».
جاء إلى الرياض مطارِدًا حلمه، بينما انتقلت «ثريّا» إلى لندن لتطارد بدورها حلمها، وتكمل دراسة الماجستير. ويحاولان، في خضم انشغالاتهما، تحيّن أي فرصة للقاء. ولم يطُل الأمر ليكتشف «وليد» أن لندن غيّرت حبيبته وأحدثت شرخًا في علاقتهما، ولم ينتبه أن الرياض قد غيّرته أيضًا.
يستحضر «وليد»، خاصة في بداية علاقته بـ«ثريّا»، صورة والدته وما ستقوم به لو علمت عن أمر علاقتهما، كما يستحضر ذكرى والده الراحل، الذي لو كان حيًّا لما وافقه على أحلامه. بدا وكأنّ استحضاره لوالديه لم يكن سوى صوت ضميره الذي خفت حين علا ضجيج الشهرة. فالمدينة لا تمنحك شيئًا إلا بعد أن تأخذ منك الكثير؛ بضغوطها الاجتماعية وسيطرتها على حياة لم تعُد ملكك، وقدرتها على محو ذاتك التي بدأت تتلاشى وتذوب وسط ضوضائها.
القرى هل تُنبت الأبطال؟
تطرح «هجمة واعدة» سؤالًا مؤلمًا: لماذا يُعامَل الطموح الآتي من القرى معاملة الطارئ؟ ولماذا يُفترض أن يكون النجاح حكرًا على من نشأ في بيئة حضارية؟ فهذا التحيّز لا يُضعف الموهبة فقط، بل يخلق شعورًا داخليًّا بالدونية لدى صاحبها، يجعله في صراعٍ دائم لإثبات ذاته بدل التفرّغ لصقلها. وربما تجعل أبناء القرى يخشون الأحلام، ويفترضون مسبقًا أنهم لن يحظوا بفرصة لمزاحمة أهل المدن، ويتهيّبون بدء المغامرة مخافة العواقب التي قد تتضاعف في حالتهم.
ما يأتي سريعًا، قد يذهب سريعًا
لم يدرك الكابتن «وليد» أن شهادته قد تكون الركيزة الصلبة التي يعتمد عليها قبل خوض غمار الشهرة. ترك الدراسة، متجاهلًا حلم والده الراحل بأن يصبح معلمًا، واستجاب لإغراء المال، إذ بات راتبه الشهريّ يعادل مرتب تسعة معلمين في شهر واحد. ولكن بعد عامين من النجاح والشهرة، يدرك أن الطريق السريع نحو القمة، وإن كان مختصرًا، قد يكون محفوفًا بالعثرات والمكائد. فالمدرسة التي هجرها لم تكُن مجرد فصل وكتب، بل كانت فضاءً للتأهيل الحقيقي، تزوّده بأدوات تساعده على تحقيق التوازن والتأقلم مع التحديات، حتى لا يجد نفسه مجرد جسدٍ وموهبة، أعزل في مواجهة المكائد.
لا يدين الكاتب الطموح في «هجمة واعدة»، ولا يقلل من شأن الأحلام والرغبة في النجاح، ولكنه يحذّر من اختزال هذا الطموح في الشهرة وحدها. والذكيّ من استشرف ما تخفيه الشهرة من نوائب وعمل على تحصين نفسه منها بالكد والعمل والحيطة.
المؤامرات الخفية والخذلان
قد تكون الشهرة بريقًا يخطف أبصارنا بعيدًا عن الحقيقة، فهي قد تخفي في ظلالها خيانات ومؤامرات تأتي أحيانًا ممن نظنهم الأقرب إلينا. لم يكُن «وليد» يتوقع أن أول من سيغدر به هم من منحهم ثقته، أولئك الذين فضّلوا طواعية مصلحته على مصالحهم، أو هذا ما ظنه في البداية. فالعدو الذي تعرفه يسهل الحذر منه، إذ يمكنك رؤية الشر في عينيه، وتأخذ حذرك، أما من يظهر لك المحبة والإيثار، وفي الخفاء يراك تهديدًا لمكاسبه الخاصة، فهذا غالبًا ما يتحين الفرص ليتلاعب بك، ولن تستطيع التمييز في أفعاله بين الود الظاهر والاستغلال المتقن.
استهلّ الكاتب فصول عمله باستشهاداتٍ تجد أصلها في لعبة كرة القدم، التي لم تعُد مجرد مستطيل أخضر، بل قدمها الكاتب في متتالية من مشاهد إنسانيّة، منح فيها الصوت لكل عضو في فرقة كرة القدم وعشاقها والعاملين في مجالها، ليقدموا وجهات نظر تتجاوز اللعبة لتشمل كل مناحي الحياة.
ومع نهاية «هجمة واعدة»، لا نغادر الرواية ونحن نحمل قصة لاعب كرة قدم فحسب، بل نحمل تأملات عميقة؛ عن الإنسان والحلم والخذلان والمدينة التي قد تسرقك من نفسك دون أن تدري.
يراوغ الكاتب قرّاءه ولا يكشف كل أوراق اللاعب الذي يتحدث عنه، ولا يحدّد الفريق الذي ينتمي إليه، تاركًا المجال للتخمين مع كل مناورة، ويجعلك في كل مرة تخمّن فريقًا ما. ولكن الكتابة سمحت بتسلّلات أَسقطت سهوًا بعض الكلمات ساعدت القارئ على ربط الخيوط ليعرف قصد الكاتب، فقد تسلّل اسم أحد الفرق المنافسة، كما تسلّل اسم أحد زملاء البطل.
أخبروني إذا قرأتم الرواية: هل عرفتم عن أي فريق يتحدث؟


أول فوز للقصة القصيرة بالبوكر الدولية 🌟
أُعلن في لندن الأسبوع الماضي عن فوز الكاتبة الهندية بانو مشتاق بالجائزة العالمية للرواية (Prix international Booker)، عن مجموعتها القصصية «سراج القلب» (Heart Lamp)، التي نقلتها إلى اللغة الإنقليزية المترجمة الهندية ديبا بهاستي. تُمنح الجائزة مناصفة بين الكاتب والمترجم تقديرًا للجهد المشترك والتعاون في إيصال السرد إلى مختلف الثقافات، وبناء جسور بين اللغات.
صدرت المجموعة القصصية هذه العام عن دار النشر المستقلة «وقصص أخرى» (And Other Stories)، المعروفة بانحيازها لإصدار أعمال أدبية مميزة منتقاة بعناية من مختلف أنحاء العالم، ساعيةً إلى تعريف القرّاء بكتّاب يجمعون بين الجرأة والإلهام.
.jpg)
يُعد فوز «سراج القلب» أول تتويج لمجموعة قصصية في تاريخ هذه الجائزة، فيما يشكِّل ثاني اعتراف عالمي كبير بهذا الفن السردي، بعد فوز الكنديّة الراحلة أليس مونرو بجائزة نوبل للآداب عام 2013. وقد عدّت مونرو فوزها بمثابة رد اعتبار للقصة، وفرصة ليكتشف القراء هذا الجنس الأدبي، ويستمتعوا به، ويدرسوه باعتباره فنًّا مستقلًّا وليس «مجرد شيء نلتهي به حتى ننتهي من كتابة الرواية.»
وقد أكّدت بانو مشتاق في تعليقها على فوزها على رحابة هذا الجنس الأدبي، مع ما فيه من قِصَر: «وُلدت القصص من الاعتقاد بأن القصة ليست صغيرة أبدًا، فكل خيط في نسيج التجربة الإنسانيّة يحمل وزن العالم بأكمله.»
أما رئيس لجنة تحكيم الجائزة، ماكس بورتر، فقد وصف العمل الفائز بأنه: «إضافة حقيقيّة للقراء باللغة الإنقليزية؛ قصص جميلة تنبض بالحياة، تُترجَم بلغة مبتكرة توسّع فهمنا للترجمة والاختلاف الثقافي.»
وربما اللافت الذي وجدته اللجنة في هذه المجموعة والذي أدى لاختيارها من بين قائمة الأعمال الستة المرشّحة -المتضمّنة للرواية الإيطالية «الكمال» لفينتشنزو لاترونيكو التي توقع عدة نقاد فوزها- أنها كُتبت باللغة الكاندية، وهي إحدى اللغات الدرافيدية المنتشرة بالهند، ولغة رسمية بولاية كارناتاكا إلى جانب اللغتين الهندية والإنقليزية، ويتحدثها حوالي ستين مليون شخص. وبهذا تكون القصص أول عمل مكتوب بهذه اللغة يحصل على هذه الجائزة، بينما سبق أن فازت الكاتبة الهندية جيتانجالى شري بالجائزة نفسها عام 2022 عن رواية «قبر الرمال» التي كُتبت باللغة الهندية.
بفضل هذه الخصوصية اللغوية، سعت المترجمة الهندية ديبا بهاستي إلى وضع ملحق بالمجموعة تشرح فيه منهجها في الترجمة، وتصف هذا المنهج بأنه «ترجمة بلكنة»، حيث حافظت على الثراء اللغوي والثقافي للنص الأصلي من أجل إبراز واقع الشخصيات بدقة. وقد اتخذت المترجمة، بالاتفاق مع الكاتبة، قرارًا واعيًا بالتخلي عن استخدام الخط المائل وما شابهه من أساليب لشرح الكلمات الكاندية.
كما احتفظت ببعض الكلمات التي كُتبت باللغة الأوردية أو العربية، مما يعكس إيقاع اللغات المحكية في تلك المنطقة من الهند. هذا النهج، إلى جانب ثيمات النص نفسه، دفع رئيس اللجنة إلى وصف الترجمة بالـ«جذرية»، وهو توصيف قد يكون نابعًا من نظرة القارئ الغربي الفضولية، وأحيانًا الاستشراقيّة، تجاه هذه المنطقة من العالم.

جمعت المترجمة اثنتي عشرة قصة من أصل خمسين كتبتها بانو على مدار ثلاثة عقود (من 1990 إلى 2023)، تكشف عبر هذه الحكايات عن حياة النساء المسلمات المسكوت عنها في مختلف أرجاء البلاد، ومواجهتهنّ المستمرة للنظام الطبقي والسلطة الأبوية والقمع. واللافت في هذه الكتابة أنها تخلو من الخطابات النارية، بل ترنو إلى تصوير المعاناة بدقة، كما هي في الواقع.
لا تحاول بانو تقديم وجهات نظر من خلال السرد، فبطلاتها لا يتظاهرن، أو يرفعن شعارات جاهزة، بل يعشن حياتهن، ويقاومن بما يرونه مناسبًا لسياقهن. لا يطلبن الشفقة، بل يقاومن. ونجد هذه المقاومة حاضرة في فضاءاتهن المعتادة؛ في المطبخ وغرف النوم وعتبات المساجد والأرصفة، مثل بطلة قصة «الكوبرا السوداء» وهي أمٌّ شابة، هجرها زوجها لأنها تنجب البنات فقط، تُنظِّم احتجاجًا علنيًّا على عتبة مسجد. وقد اقتُبست القصة في فِلم «حسينة»، الحائز على الجائزة الوطنية في الهند عام 2004، من إخراج جيريش كاسارافالي. تختزل هذه القصة فلسفة بانو التي تشبه إلى حدٍّ كبير فلسفة اللاعنف (الساتياقراها) التي مارسها غاندي.
تُعد بانو مشتاق -المحامية والوجه البارز في الأدب الكاندي التقدمي- من أبرز المدافعين عن حقوق المرأة، والمناهضين لاضطهاد الطبقات الاجتماعية وتجاوزات رجال الدين في الهند. وقد استلهَمت قصصها من واقع النساء اللاتي التمسن مساعدتها. لذا، فقصصها دعوة إلى الاستماع للهامش وللأصوات التي تعاني في صمت، المحرومة من الاختيار بسبب استغلال السلطة.
أصبح عميد الأدب الكاندي أور أنانثامورثي في عام 2013 أول كاتب كاندي يُرشّح لجائزة البوكر الدولية (حين كانت تسمى المان بوكر)، لينضم إلى قائمة تضم أسماء أدبيّة عالمية بارزة مثل أليس مونرو وفيليب روث.
ومع أن الجائزة ذهبت إلى الأمريكية ليديا ديفيس في ذلك العام، مهّد ترشيح أنانثامورثي الطريق لكاتبة مثل بانو لتحذو حذوه لاحقًا، صابغةً هذه الجائزة بروح هذا الأدب المتمرد.
والجدير بالذكر أن ترشيح أنانثامورثي جاء تقديرًا لمجمل أعماله، بينما رُشِّحت بانو عن عملٍ واحد هو «سراج القلب»، لتمهد بدورها الطريق إلى فن القصة كي يعود إلى التألّق مجدّدًا في المحافل الدولية.

الفن يكمن في الحذف. يبقى الكاتب هاويًا إن قال في جملتين ما يمكن قولُه في جملة واحدة
روبرت لويس ستيفنسن
يرى المترجم جولان حاجي أن هذه العبارة تكشف عن علاقة الروائي والناقد الاسكتلندي ستيفنسن باللغة والكلمات، حيث تتجلى حساسيته بحرص مبالغ فيه في تشذيب كل ما يكتبه، كما تتميز هذه الكتابة برشاقتها وسحرها المرعب، الذي يغدو منبعًا للمتعة، أو ما يصفه غالب هلسا بالمخيف الممتع. وبهذه التوليفة استطاع بورخيس أن يقرأ البهجة في أعماله: «بقيت قراءته ببساطة شكلًا من أشكال السعادة».
في المقابل، يُذكر أن نيتشه صاغ واحدةً من أكثر العبارات تعجرفًا في وصف ماهية الكتابة، إذ قال: «أستطيع التعبير في جملة واحدة، ما يأخذ الآخرون كتابًا كاملاً للتعبير عنه» ثم أردف: «كلا، بل حتى في كتاب لن يستطيعوا التعبير عنه».
يتقاطع نيتشه وستيفنسن في هذه الثقة الجارفة بالنفس وبقلمهما. وأيًّا كان الأمر، يظل ستيفنسن في ذاكرتنا الجماعية ذلك الكاتب الذي أسعد طفولتنا، وربما لم نقف على أسلوبه الأدبي بقدر ما وقفنا على سعة خياله ودقته ونحن نشاهد المسلسل المقتبس عن عمله «جزيرة الكنز».

بيكي بلايندرز

صدر حديثًا عن دار ملهمون ثلاثية «بيكي بلايندرز»، للكاتب والمؤرخ البريطاني كارل تشين، وترجمة منى فهمي. تحكي الثلاثية التاريخ الحقيقيّ لأشهر عصابات بيرمنقهام.
سنلتقي مجددًّا بكلٍّ من: بيلي كيمبر وداربي سابيني وألفي سولومونز، وأعضاء عصابة بيكي بلايندرز، وهي عصابة اشتهرت في جميع أنحاء العالم منذ أن جُسِّدت قصتهم في مسلسل تلفزيوني من ستة مواسم، وينتظر محبوه فِلم «The Immortal Man» المقتبس من السلسلة، والمزمع عرضه على منصة نتفلكس نهاية 2025.
كارل تشين ليس مجرد مؤرخ، بل يمتلك ارتباطًا شخصيًّا بتاريخ عصابة «بيكي بلايندرز»، إذ ينحدر من أسرة كانت جزءًا من عالم المراهنات غير القانونيّة. في كتابه، يعيد تشكيل الصورة التاريخيّة لهذه العصابة، ويجيب عن أسئلة جوهريّة: هل كان أفرادها يرتدون بالفعل تلك القبعات الشهيرة؟ متى كانت ذروة نشاطهم؟ ولماذا تلاشى نفوذهم بهذه السرعة؟
يتناول المؤلف أيضًا موجة العنف التي اجتاحت الطبقة العاملة في برمنقهام أواخر القرن التاسع عشر، مشيرًا إلى تشابه لافت بين تلك الحقبة والأوضاع الراهنة؛ ففي مجتمع يعاني من التهميش، تصبح الشوارع ساحة للصراعات، ويتحول الانتماء إلى الأحياء لحالة من المنافسة المحتدمة التي تنتهي بالعنف. ومع ذلك، انتهى الأمر بالسكان الذين كانوا يدعمون عصابة «بيكي بلايندرز» ضمنيًّا بالوقوف إلى جانب الشرطة، حتى قبل أن تضع الحرب العالميّة الأولى حدًّا لنشاط العصابة.
هذا الكتاب يقدم سردًا ملحميًّا يجمع بين الواقع والخيال، بين التاريخ الحي وإعادة تأويله بأسلوب شيق ومثير.

نوم هانئ

تأليف: وليم كريس وينتر/ ترجمة: نيفين حلمي /الناشر: دار التنوير / عدد الصفحات: 336
هناك علاقة بين عادات نومنا وأجسادنا وصحة أعضائنا.
قد يغفل الكثيرون أن النوم هو حجر الأساس لصحة العقل والجسد، وإذا رغبنا بتحسين جودتهما، فربما علينا التفكير أولًا في تغيير مخدّاتنا أو مصابيح غرف نومنا قبل أي شيء آخر.
يقدم الدكتور كريس وينتر، أخصائي طب النوم، وطبيب الأعصاب، والمستشار لدى كبرى الشركات والمنظمات الرياضية والجيش الأمريكي، في كتابه «نوم هانئ، أسباب مشكلات النوم وحلولها»، تحليلًا علميًّا لعلاقة النوم بالأداء، ويعطي حلولًا واقعية ومبتكرة للأفراد الذين يعانون من اضطرابات النوم. ويضم الكتاب أيضًا دراسات تفيد أولئك المهتمين بفهم الأسس العلميّة لتأثير النوم في حياتنا.
يكشف «هامس النوم» -وهو لقب يُعرف به كريس ونتر- أن النوم يلعب دورًا مهمًّا في أداء الجهاز اللمفاوي، المسؤول عن تطهير البدن، والدماغ تحديدًا، من النفايات السامة، حيث أثبت العلماء مؤخرًا أن الجهاز اللمفاوي يعمل بأداءٍ أفضل في أثناء النوم.
كما يحذّر من مخاطر قلة النوم، التي تتراوح بين اختلال وظائف القلب الذي يحتاج إلى راحة منتظمة لضخ الدم بكفاءة، وزيادة الوزن بسبب الإفراط في تناول الطعام لتعويض نقص الطاقة الناتج عن الأرق. وهذا ما أستطيع تأكيده عن تجربة شخصية: في اللحظة التي نظمت فيها نومي استعدت وزني السابق.
يتناول هذا الدليل الشامل الكثير من الأسئلة الشائعة، ومنها السؤال المتكرر حول المدة الكافية للنوم. يؤكد وينتر على أهمية التركيز على جودة النوم بغض النظر عن عدد ساعاته. كما يستعرض الكتاب العلاقة بين النوم وعوامل أخرى، مثل التغذية والضوء والأنشطة اليومية وتأثيرها الإيجابي أو السلبي في هذه العملية الحيوية. ويوضح الآثار الصحية والعقلية المترتبة عن قلة النوم. يعتمد الكاتب في طرحه على مزيج من الأبحاث العلميّة والتجارب الشخصية ونصائح الخبراء، بهدف تقديم إرشادات عملية لتحقيق نوم عميق يتجدد كل ليلة.
ما يميز كتابة وينتر سلاستها مع سخرية لطيفة، وله طريقة ذكيّة في تفنيد معظم الوصفات الرائجة في الإنترنت، ويقدم عوضًا عنها حلولًا مستدامة، ويشجع القراء على التحكم في نومهم وفق سلوكات معتدلة دون قيود مفرطة.
ويجدر بالذكر أن كريس وينتر أصدر بعد كتابه هذا كتابًا آخر، «الطفل المسترخي»، ويشمل بدوره دليلًا شاملًا لاضطرابات النوم المختلفة التي تصيب الأطفال من سن الرضاعة إلى المراهقة، والتي يخطئ البعض في تشخيصها. ويقدّم في الكتاب نصائح جديدة للآباء حول كيفيّة تخفيف مشاكل أطفالهم مع النوم.
تيسرت

تأليف: صالح بن علي الهذلول / الناشر: منشورات ضفة / عدد الصفحات: 426
يحكي كتاب «تيسرت» سيرة الأستاذ والمعماري السعودي صالح الهذلول، وهي رحلة كفاح مؤثرة، تتجاوز المكان والزمان الذاتيين، لترسم صورة نابضة عن التحوّلات الكبرى في تاريخ السعودية.
يروي الكاتب قصصًا عاشها الهذلول بأسلوب أدبي مشوّق وسلس، ويبدأ من طفولته التي عاشها في كنف والدته بعد فقدان والده في سن مبكرة، ليواجه تحدّيات الحياة بين الدراسة والعمل في أثناء المرحلة الثانويّة في الرياض. ومن هنا تبدأ رحلة البحث عن الذات والطموح، في مسار يتشابك فيه الجهد والإصرار.
كانت نقطةُ التحول الجوهرية في حياة الهذلول هي لحظة انضمامه إلى كلية الهندسة، ثم تخصصه بالعمارة، لتتوالى محطات النجاح، بدءًا من تعيينه معيدًا في الجامعة، ثم قبوله لمواصلة الدراسات العليا في جامعة هارفرد ومعهد ماساتشوستس التقني في كامبردج.
في هذه المرحلة المفصلية، يواجه الهذلول تحدّيات اجتماعية وثقافية بعيدًا عن وطنه، ويخوض تجربة فريدة؛ مهنيًّا وأكاديميًّا واجتماعيًّا، مع ثقافات مختلفة. وقد أثرى هذا التلاقح سيرته بتجارب مختلفة، وكان حجر الأساس في انطلاقته بعالم الهندسة والمجال الأكاديمي والقيادي.
أثمرت نجاحات الهذلول وخبراته في تطوير البنية التحتية العمرانية في العديد من المدن السعودية، حيث أشرف على عدة مشاريع تطويرية مهمة آنذاك. وظهرت براعته في المجال الأكاديمي حين كان أستاذًا في جامعة الملك سعود، وأيضًا في المجال القيادي في وزارة الشؤون البلدية والقروية.
الكتاب سيرة مثابرة وصبر، كما يُعد وثيقة مهمة في تاريخ السعودية، ونموذج إلهام للعديد من الشباب المقبلين على مستقبل واعد.
لماذا تُلعب كرة القدم

تأليف: لوثيانو بيرنيكي / ترجمة: محمد الفولي / الناشر: مسعى / عدد الصفحات: 260
كرة القدم، لغة عالميّة تتوارثها الأجيال، ويتحدثها الجميع، وتُفسّر بالطريقة ذاتها في كل مكان، كما تحفز المشاعر نفسها لدى مختلف الجماهير. ولكن اللافت أن تخرج الكرة من مستطيلها الأخضر لتستقر بين دفتي كتاب، يلقى النجاح ويحفز الحماس والفضول الذي لكرة القدم، لكن هذه المرة لدى القراء بدل الجماهير.
أقدم على هذه المغامرة الصحفي الأرجنتيني لوثيان بيرنيكي الشهير بكتبه التي تناولت كرة القدم وحكايا المونديال والألعاب الأولمبية وغيرها. وحظيت كتبه بنجاح كبير، وتُرجمت إلى لغات عدة، منها العربية. ونقل منها محمد الفولي ثلاثة كتب من أهم ما كتب بيرنيكي، نُشرت ضمن سلسلة صافرة الصادرة عن دار مسعى، وهي «حكاية عامل غرف» و«أغرب الحكايات في تاريخ المونديال» وكتاب «لماذا تُلعب كرة القدم أحد عشر ضد أحد عشر؟». ذكّرني العنوان بسؤال ساخر آخر يتندر به أحد الأدباء، مستنكرًا حب الجماهير للعبة لا هدف منها سوى صعود أحد عشر لاعبًا في ملعب معشب ونزولهم منه، مع هتاف جمهور يشجع هذه الحركة التي يراها عبثية وخالية من المعنى.
وصف إدواردو قاليانو في مقدمة كتاب «أغرب الحكايات في تاريخ المونديال» الكاتب بيرنيكي بالجاسوس المخضرم، لأنه استطاع التسلّل إلى معظم المباريات واستقصى أسرار من شأنها أن تهم الكرويين.
يكشف بيرنيكي في كتابه «لماذا تُلعب كرة القدم» الجوانب التاريخيّة -المخفية أحيانًا- في كرة القدم، بما في ذلك سبب تكوّن الفريق من أحد عشر لاعبًا. كما يتناول الكتاب 100 حقيقة لافتة في تاريخ كرة القدم وقواعدها، مثل أصل مدة المباراة التي تبلغ تسعين دقيقة، أول مدرب، اختراع شباك المرمى، وتاريخ إدخال البطاقات الحمراء والصفراء، وغيرها من الأسئلة المحيرة التي تجد لدى بيرنيكي إجابات شافية، وأحيانًا طريفة.
يقدم بيرنيكي سردًا ممتعًا غنيًّا بالمعلومات، وأجاد الفولي نقله إلى العربية، مما يجعله مصدرًا شاملًا لعشّاق كرة القدم وغيرهم من القراء. ويوفر عمله نظرة عن قرب لتطور اللعبة وأنظمتها.
نجح بيرنيكي في حشد اهتمام الصحف الكروية، مثل فرانس فوتبول، إذ نشرت مراجعة لكتابه «لماذا تُلعب كرة القدم». وهو بالتأكيد حاز على إعجاب معظم القراء، سواءً كانوا عشاقًا للكرة المستديرة أو للكلمة.


سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.