الإفلاس ينقذ الشركات
كيف يكون الإفلاس طريق الشركات لإنقاذ أصولها والعودة أقوى للسوق؟


«الإفلاس» من أكثر الكلمات اللي تخوّف في عالم المال والأعمال. ويمكن أول ما تجي في بالك، تتخيل شركة ضخمة تعلن انهيارها، أو تاجر يضطر يقفل محله ويقول: «أفلست».
طيب ليش تفلس الشركات أصلًا؟ وليش نشوف، أحيانًا، شركات ناجحة فجأة تنهار؟ وهل الإفلاس دائمًا شيء سيئ؟ ولا أحيانًا يكون المنقذ؟
الإفلاس ما هو نهاية الطريق مثل ما كثير يظنون، أحيانًا يكون بداية جديدة، وخطوة قانونية تعيد ترتيب الأوراق وتحمي الشركات، أو حتى الأفراد، من الانهيار التام.
في حلقة اليوم، مع هادي فقيهي ومحمد آل جابر، بنغوص في كواليس «الإفلاس»؛ من قصص شركات عالمية أفلست وكيف تعاملت مع أزمتها، إلى شرح الأنظمة القانونية في السعودية والعالم.
حلقة فيها أرقام، وقصص بديعة، وزوايا ما تتوقعها أبدًا عن كلمة «الإفلاس».

تخيل تصحى في يوم وما عليك ولا دين!
تخيّل أن تستيقظ يومًا من الأيام فتجد كل ديونك قد اختفت! لا بنوك تلاحقك، ولا رسائل مزعجة تقول لك «سدّد وإلا…». هذه الفكرة، التي نراها اليوم كأنها حلم بعيد، كانت في الحضارات القديمة واقعًا يتكرر كل فترة.
ففي سومر (جنوب العراق حاليًّا)، قبل نحو 2400 سنة قبل الميلاد، أصدر حاكم لجش «إنمتينا» مرسومًا غريبًا وقتها: «إعادة الطفل لأمه والأم لطفلها». هذه العبارة، بشكلها الأدبي البديع، كانت تعني إلغاء الفوائد والديون، خاصة ديون إيجارات المحاصيل التي كانت تخنق الناس. ثم بعده بنحو خمسين سنة، جاء حاكم ثانٍ اسمه «أوروينيمجينا» (نحو 2350 - 2342 قبل الميلاد)، فألغى الديون الزراعية والغرامات، وحرّر الأسر المستعبدة. وكان لديهم مصطلح خاص لتلك الأوامر الملكية اسمه «نيق شيسا» (nig.šiša)، ويعني إعادة النظام الاقتصادي.
وفي بابل، كانوا يسمونها «ميشاريوم» (misharum). فالملك حمورابي، الذي حكم من 1794 إلى 1750 قبل الميلاد، أعلن إلغاء الديون أول مرة سنة 1792، يوم تولّيه العرش. وكررها في 1780 و1771 و1762. وكانوا يدركون أن المزارعين الجنود لا يستطيعون الزراعة ولا القتال ما دامت الديون تخنقهم. كما كانوا يكسرون حتى الألواح التي كُتبت فيها سجلات الديون في احتفالات رأس السنة؛ رمزًا إلى أن الدنيا تتنظف وتبدأ من جديد.
وفي مصر القديمة، مع أن الديون لم تكن بفوائد في أغلب فتراتها، إلا أنه في العصر البطلمي، تحديدًا سنة 196 قبل الميلاد، نقشوا على حجر رشيد أوامر بإلغاء الديون. وقبل ذلك، في القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد، أصدر الفرعون باكنرانف أو (بوخوريس) قرارًا ألغى به عبودية الدَين، ومنع الدائنين من الاستيلاء على المدينين أو استعبادهم.
أمّا اليونان القديمة، فكان الأمر عندهم على النقيض تمامًا؛ إذ كانت القوانين هناك في صف الدائنين، فإذا لم يستطع المدين السداد، كان مصيره ومصير عائلته العبودية عند الدائن. لكن في القرن السادس قبل الميلاد (نحو 594 - 593)، ظهر الحكيم سولون وأنقذ أثينا. فأطلق إصلاحاته المشهورة «سَيساخثيا» (Seisachtheia) التي تعني «إسقاط الأعباء»، وألغى الديون كلها وحرّر الناس الذين استُعبدوا بسببها، ومنع بيع الأحرار عبيدًا. ويعتقد باحثون أن سولون استلهم هذه الفكرة من قوانين حضارات الرافدين.

«برق» محفظة تقنيّة ماليّة💸
الخدمات، البطاقات، والمنتجات ما عليها أي رسوم.
والكاش باك، على الحوالات الدولية وتحويل رواتب العمالة، وبطاقة فيزا ومدى!
محفظة .. تعطيك ما تأخذ منك!


معادلة الإفلاس 🧮
من هادي ✍🏼
لطالما شدّتني قصص الشركات التي تتألق في السوق سنوات طويلة، ثم تختفي فجأة. وأتساءل دائمًا: هل يحدث الانهيار بسبب سوء حظ؟ أم هناك إشارات مبكرة لا ننتبه لها؟
تذكّرت معادلة تُسمّى «درجة ألتمان» (Altman Z - Score)، من أيّام دراستي حين كنا ندرس أدوات تحليل المخاطر المالية. وعدت إليها مؤخرًا وأنا أقرأ عن إفلاس شركات كبيرة. وقتها تكرّر في ذهني السؤال ذاته: هل نستطيع التنبؤ بمصير الشركات قبل أن تسقط؟
هذه المعادلة ابتكرها إدوارد ألتمان عام 1968، بعدما تعب من كثرة الشركات التي تنهار فجأة. كان الرجل حينها يعمل مستشارًا ماليًّا، ويشاهد شركات تبدو قوية من الخارج، لكن أرقامها كانت تعكس غير ذلك. فقرر تلخيص كل المؤشرات المالية التي قد تُنبّه إلى احتمالية الإفلاس في معادلة واحدة.
جمع ألتمان بيانات أكثر من ستين شركة، بعضها أفلست وبعضها استمرت، ودرس أرقامها بدقة، واستخرج معادلة تتكوّن من خمسة مؤشرات مالية: رأس المال العامل، والأرباح المحتجزة، والأرباح قبل الفوائد والضرائب، والقيمة السوقية للشركة، ومبيعاتها. ولكل مؤشر وزن محدد. لنحصل في النهاية على رقم يسمّى (Z - Score).
وإذا كانت نتيجة المعادلة أقل من 1.81، فهذا يعني أن الشركة تقع في منطقة الخطر وأنّ احتمالية إفلاسها مرتفعة خلال العامين القادمين. أمّا إذا تجاوز الرقم 2.99، فهي غالبًا في منطقة الأمان. وما بين هذين الرقمين منطقة رمادية لا تُعطي يقينًا قاطعًا.

المثير للاهتمام أنها أصبحت أداة أساسية يستخدمها المديرون التنفيذيون، والمستثمرون، وحتى البنوك التي تدرس منح القروض للشركات. فقد صارت جزءًا لا يتجزأ من الإدارة الاستراتيجية والمالية. والإدارة الحديثة اليوم تفكّر في كيفية توسيع نشاط الشركة ودخول أسواق جديدة، وتسعى كذلك لحمايتها من السقوط ورصد أي إشارات مبكرة على الإفلاس.
💸 قصة حقيقية: استخدمت «Altman Z» لأنصح صديقًا بالتخلص من أسهم شركة أمريكية تعمل في النفط الصخري. ووضحت له، حسب المعادلة، أن الشركة على وشك الإفلاس. حينها، كان سعر السهم أقل من سعر الشراء، وصديقي -متأثرًا بتحيز النفور من الخسارة- قرر الاستمرار في الشراء لخفض متوسط التكلفة وتعويض رأس المال بشكل أسرع. صديقي لم يغيّر سياسته، ومؤشر (Z) لم يكذب؛ أفلست الشركة بعدها بأشهر وخسر أكثر من عشرين ألف دولار.
الإفلاس باب للنجاح
من محمد ✍🏼
كثيرون يظنون أن الإفلاس نهاية الطريق، لكن الحقيقة أنه يكون أحيانًا بداية جديدة وفرصة لإطلاق قدرات كانت مُقيّدة.
وخذ مثلًا شركة مارفل، حين أفلست في التسعينيّات، اضطرّت إلى بيع حقوق شخصياتها الأشهر، مثل «سبايدرمان»، كي تتمكّن من الاستمرار. وظنّ البعض أنها النهاية، لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا؛ إذ ركّزت مارفل على شخصيات أقل شهرة مثل «آيرون مان»، وقدّمت بها أفلامًا حققت نجاحًا هائلًا. وهذا النجاح فتح الباب أمام استحواذ ديزني عليها لاحقًا، لتصبح اليوم واحدة من أكبر الأسماء في عالم الترفيه.
وفي المقابل، لدينا -محليًّا- هوس غريب بفكرة «إنقاذ الشركات العائلية»، وكأن اختفاءها يُعدّ مصيبة وطنية أو تهديدًا لهويتنا الاقتصادية. وتبدأ الأصوات تطالب بتدخل الدولة ولعب دور الوصي على تلك الشركات وحمايتها من السوق.
لكن السؤال هنا: ما الذي يمنح شركة أخفقت، إداريًّا وماليًّا، الحق في موارد الدولة؟ ولماذا نتعامل مع حصتها السوقية وكأنها حق مكتسب لا يجوز المساس به؟
وفي الجانب الآخر، هناك شركات ناشئة، يقودها شباب طموحون، يحاولون اختراق السوق وتقديم منتجات أو خدمات بكفاءة أعلى وبأفكار جديدة.
الإفلاس، في الاقتصادات الصحية، ليس كارثة نهائية، وإنما هو آلية طبيعية لتصفية الضعيف وإفساح الطريق للأقوى. هو فرصة لصعود من يستحق، لا أزمة تستدعي تدخل الحكومة بدافع الوفاء للماضي.

كيف تتخيّل بيت العمر؟ 💭
مسكن متكامل ومريح، موقعه قريب من كل شي، وفيه كل شي 🏡✨
موقفك الخاص، مصلى، مقهى،بقالة، صالة رياضية، وترفيهية!
هذي هي تجربة السكن في صفا 🔗
التجربة اللي تسبق الحاضر وتنبض بالحياة 🖼️🥁


كلّ أربعاء يقدم محمد آل جابر وهادي فقيهي تحليلات وإجابات مبسطة للأسئلة الاقتصادية المحيرة، ومع كل حلقة تصلك رسالة بريدية بمصادر ومعلومات ووجهات نظر مختلفة لم يتسع لها وقت الحلقة.