من قتل الصحفي أنس الشريف، ولماذا؟

زائد: المراسل في فلسطين لا يقف على الحياد

في نشرة أها!

في كتاب «الرسالة» (The Message)، يستذكر  الكاتب الأمريكي تاناهاسي كوتس اعتقاده بأنَّ المراسلين الأمريكيين من كبرى المؤسسات الإعلامية والإخبارية كانوا محايدين وناجحين في نقل الحقيقة عمَّا يجري في فلسطين، إلى أن جاء اليوم الذي زار فيه فلسطين. وأدرك أنهم لم ينقلوا كامل حقيقة الواقع الفلسطيني اليومي المروِّع تحت الاحتلال.

مع منع الاحتلال الإسرائيلي دخول الصحافة الغربية والعالمية إلى غزة، ظهر المراسل الفلسطيني غير الحيادي، المراسل الذي ينقل واقع وطنه لأنه يعيشه بكل ما فيه، ويُظهِر جريمة الإبادة والتجويع التي يرتكبها الاحتلال تمامًا كما هي. 

رحم الله الصحفي الشهيد أنس الشريف، الذي نقل للعالم حقيقة الإبادة.

إيمان أسعد


 رسم: الفنان عمران
رسم: الفنان عمران

من قتل الصحفي أنس الشريف، ولماذا؟

إيمان أسعد

استيقظت اليوم على موجة عارمة من الحزن العميق وانفطار القلب غلبت مواقع التواصل الاجتماعي العربي والعالمي، ترثي كلها الصحفي الفلسطيني أنس الشريف بعد استشهاده بقصف موجَّه من جيش الاحتلال الإسرائيلي. فقد استهدف القصف خيمة الصحفيين في ساحة مستشفى الشفاء، تحديدًا مراسلي الجزيرة، واستشهد مع أنس كلٌّ من الصحفي محمد قريقع، والمصوران إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل. 

إذا قرأت العناوين الفرعية في تغطية عدد من كبرى الصحف الغربية، مثل نيويورك تايمز و«ذ قارديان»، ستجد أنها أرفقت ما يُفتَرض بها أن تكون معلومة صادمة «إسرائيل تعترف باستهدافها أنس الشريف في هذه العملية» مبررةً جريمة القتل التي ارتكبتها ضد صحفي ومدني، جريمة حرب بكل المقاييس، باتهامه بأنه «إرهابي». 

ليست المرة الأولى التي يقتل فيها الاحتلال صحفيًّا فلسطينيًّا بدمٍ بارد، فقد قتل  منذ بداية حرب الإبادة على غزة 238 صحفيًّا وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، واظب فيها الاحتلال على إنكار جريمة تعمده قتل الصحفيين، كلهم عدا أنس الشريف. 

ولا ننسى حين قتل الاحتلال في الحادي عشر من مايو 2022 الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة برصاصة في رأسها، رغم ارتدائها سترة الصحافة الزرقاء والخوذة. وفي قضية أبوعاقلة، رغم وضوح القتل العمد، فقد أنكرت سلطة الاحتلال ارتكاب أحد جنودها هذه الجريمة في بادئ الأمر، واتهمت المقاومين الفلسطينيين بقتلها، قبل اعترافها مكرهة بارتكاب أحد جنودها الجريمة بخطأ غير مقصود. 

ورغم حمل شيرين أبو عاقلة الجنسية الأمريكية، وصفت إدارة بايدن الجريمة بأنها «حادث مأساوي»، لتلغي بذلك وجود قاتلٍ من جنود الاحتلال يستحق المحاكمة.

قبل ثلاثة أشهر، نشرت «ذ قارديان» مقالًا للصحفي الأمريكي ديون نيسنبوم بعنوان «من قتل الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة، ولماذا؟» (Who Killed Palestinian-American Journalist Shireen Abu Akleh). نيسنبوم هو المنتج التنفيذي للوثائقي «من قتل شيرين؟» (Who Killed Shireen) والذي انطلق من خلاله في عملية تحقيق بحثًا عن هوية الجندي الإسرائيلي القاتل، ليكشف الوثائقي هوية ذاك الجندي. لم ينل الجندي طبعًا أي عقاب، وجرى نقله إلى وحدة أخرى حيث قُتِل بعد عام على يد المقاومة الفلسطينية. 

في أثناء التحقيق للوثائقي، يكشف أحد جنود الاحتلال من رفاق الجندي القاتل، أنَّ الوحدة العسكرية التي خدم فيها، وغضبًا مما تعرَّض إليه زميلهم من «إزعاج وتشويه للسمعة»، بدأوا يستخدمون صورة شيرين أبو عاقلة لإطلاق النار عليها في ميدان التدريب.  

هذا التصرف، ووقاحة الاعتراف به، ليس غريبًا البتة على دولة الاحتلال وجيشها. وفورًا تذكرت ما قرأته في كتاب «النكبة المستمرة» لإلياس خوري، إذ يقول: 

«في حكايات هذه النكبة، مثلما يرويها ضحاياها وبعض جلاديها، علينا أن نصدِّق ما لا يُصدَّق، وأن نتأقلم مع فكرة أنَّ الحدود بين الحقيقي والخيالي قد تم تدميرها…فقد روى موشيه كالمان، قائد الوحدة العسكرية التابعة للبالماخ، حادثةً تخفي الهول في غرابتها. قال إنَّ أحد أفراد وحدته فوجئ بفلاحٍ فلسطيني من القرية المنكوبة يسأل مذهولًا "إيش هادا؟" ولمَّا كان الجندي الإسرائيلي يعرف العربية فقد أجاب "هادا إيش" وأطلق النار على الفلاح الذي قُتِل على الفور. «إيش» في اللغة العبرية تعني النار. 

نارٌ إسرائيلية وسؤالٌ فلسطيني، هذه هي المعادلة التي أرادت فرضها خلال سبعة عقود، وحين يرد الفلسطيني على النار بالنار دفاعًا عن حقه في الوجود، يصير "مخربًا" و"إرهابيًّا".»

ولهذا تمامًا يقتل الاحتلال الإسرائيلي الصحفي الفلسطيني عمدًا. فهو يكسر معادلة النار الإسرائيلية والسؤال الفلسطيني، وذلك بكشفه الإجابة الواضحة عن حقيقة الاحتلال أمام أعين العالم. والسؤال الذي كشف أنس الشريف إجابته باستشهاده أنَّ قاتل شيرين وقاتله وقاتل كل صحفيّ فلسطيني ليس جنديًّا إسرائيليًّا نحتاج إلى البحث عن هويته، بل إسرائيل. 


عملاؤك يستاهلون تجربة شراء سهلة وذكية.

توصيل لكل العالم، وتعامل بكل العملات، وربط مع مختلف التطبيقات، ومئات المزايا الأخرى التي تساعدك على توسيع نطاق تجارتك للعالمية. 🌎

سجّل في سلّة، وانقل تجارتك إلى المستوى الذي تستحقّه.


  • غزة ستحتاج دعم الساعات الذهبيَّة.

  • هل يكترث أطفالنا لحديثنا عن فلسطين؟

نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+50 متابع في آخر 7 أيام