هل حان وقت رحيل رينار؟
قراءة في مسيرة رينار مع المنتخب السعودي في فترتيه وهل حان وقت رحيله أم أن استمراره هو القرار الأفضل.



حان وقت رحيل رينار
محمد البريكي
شهدت رحلة الفرنسي إيرفي رينار مع المنتخب السعودي فصلين متباينين، التأهل فيهما لكأس العالم هو القاسم المشترك بينهما، ولكن هنالك في التفاصيل أسئلة كثيرة مطروحة من الجماهير السعودية، حول جدوى إعادة التعاقد مع رينار خصوصًا بعد رحيله المفاجئ لتدريب المنتخب الفرنسي للسيدات.
كانت فترة رينار الأولى مميزةً للغاية بعد التأهل لكأس العالم 2022 كأول مجموعة له، التي ضمت اليابان وأستراليا ومن ثم الانتصار أمام الأرجنتين في أولى مباريات كأس العالم ولكن خسارتَيْ بولندا ثم المكسيك أخرجت المنتخب من الدور الأول، في حين أن فترته الثانية شهدت العديد من التقلبات على مستوى النتائج واضطر المنتخب ليلعب الملحق للتأهل لكأس العالم القادمة 2026.
في هذا العدد، سنناقش الفوارق الفنية بين فترة رينار الأولى والثانية، وهل قرار استمراره جاء قرارًا منطقيًّا، أم أن رحيله هو الأفضل?
الفترة الأولى: الاستقرار والانضباط التكتيكي
خلال فترته الأولى، قاد رينار المنتخب 41 مباراةً حقق خلالها (20 انتصارًا و10 تعادلات مقابل 11 هزيمةً) بنسبة فوز بلغت 48.8%، سجل المنتخب فيها (54 هدفًا) واستقبل (31 هدفًا) فقط.
تعكس هذه الأرقام التوازن التكتيكي الذي اعتمد عليه رينار، حيث بلغ معدل الأهداف المسجلة (1.32 هدفًا) لكل مباراة، بينما معدل الأهداف المستقبلة (0.76هدفًا) فقط، وهو رقم دفاعي ممتاز يشير إلى صلابة الخط الخلفي.
شكّلت تصفيات كأس العالم 2022 قمة نجاح رينار مع المنتخب السعودي، ففي 18 مباراةً لعبها المنتخب، حقق (13 انتصارًا و4 تعادلات) مقابل هزيمة وحيدة كانت أمام اليابان، بنسبة فوز مذهلة بلغت 72.2% سجل فيها (31 هدفًا) واستقبل (7 أهداف) فقط. الأمر الذي يعكس الهيمنة الكاملة للمنتخب في حينها، واستطاع المنتخب التأهل لكأس العالم قبل جولتين من نهاية التصفيات؛ ليكون ذلك التأهل الأسرع في تاريخ المنتخب السعودي.
بناء الهوية الفنية
في فترته الأولى مع المنتخب، اعتمد رينار بصفة أساسية على رسم 4231، حيث استخدمه في 68% من المباريات، في حين اعتمد على رسم 433 و 4141، و 541 في بعض المباريات كذلك.
ما ميّز المنتخب السعودي في تلك الفترة هو المرونة التكتيكية الكبيرة التي تمتّع بها مع رينار، في الشكل بدون الكرة -تحديدًا-، إذ اختلف بناءً على نقاط قوة الخصم وضعفه والمطلوب من المباراة، وما إذا كانت داخل الأرض أو خارجها.
فعلى سبيل المثال، في مباراة المنتخب أمام أستراليا في سيدني اعتمد المنتخب الأسترالي على شكل هجومي بـ442؛ ليكون الرد من رينار بتخفيض مناطق افتكاك الكرة إلى نحو 30 مترًا من مرمى المنتخب مع عودة الجناحين للمساندة الدفاعية، في حين كانت أدوار المالكي في العودة لمساندة قلبَيْ الدفاع ووجوده كمدافع إضافي مع عودة سلمان الفرج أمام خط الدفاع، ليتحوّل الشكل إلى 541.

ومع استعادة الكرة، اعتمد المنتخب السعودي على التحول الهجومي السريع ومحاولة استغلال سرعة فهد المولد -شفاه الله- وسالم الدوسري إضافةً لوجود البريكان كنقطة يرتكز عليها المنتخب هجوميًا.
أظهرت تلك المباراة جودةً كبيرةً من المنتخب في تلك التحوّلات، واستطاع من خلالها خلق عدد من الفرص، إضافةً إلى قدرته الكبيرة في بعض فتراتها على الاستحواذ على الكرة وتنظيم الهجمات.
ولكن شكل المنتخب بدون الكرة اختلف في مباراة الإياب بجدة، وارتفعت مناطق الافتكاك إلى أعلى من 40 مترًا، واستهدف المنتخب استعادة الكرة في مناطق المنتخب الأسترالي عبر خلق أفضلية عددية وإغلاق عمق الملعب، الأمر الذي أنتج العديد من الفرص، بل إنه منع أستراليا من تهديد مرمى المنتخب بشكل فعلي.

ستجد هذه المرونة في مباريات المنتخب كلها في فترة رينار الأولى، وإن كان الاعتماد الأكبر على الضغط المتوسط وتنظيم وقت رفع حدّة الضغط عبر انتظار توجه الخصم للأطراف لاستخدام خط الملعب أو التمريرات الخاطئة أو السيئة لخط دفاع ووسط الخصم؛ إلا أنه في مباريات عدة رفع حدة ضغط المنتخب السعودي بشكلٍ كبير، وربما مباراة الأرجنتين في كأس العالم 2022 أبرز الأمثلة، عندما اعتمد المنتخب بشكل مفاجئ -قياسًا على الخصم- على الضغط العالي وتصعيد خط الدفاع إلى منتصف الملعب، واستطاعوا بفضل ذلك تحقيق فوز تاريخي على المنتخب الأرجنتيني بقيادة ميسي.
مباراة الأرجنتين قمة السقف وبداية السقوط
الأداء الكبير الذي قدّمه المنتخب والانتصار التاريخي أمام الأرجنتين هو قمة أداء المنتخب مع رينار، فلا يُمكن نسيان تلك المباراة مطلقًا، ومع كونها المباراة الأولى والفوز فيها يعني دافعًا معنويًا كبيرًا؛ فإن المنتخب لم يستفد من ذلك الفوز وخسر مباراتيه أمام بولندا ثم المكسيك ليخرج من الدور الأول.
ففي مباراة بولندا، اتضح تأثير غياب سلمان الفرج مع دخول المنتخب بإنهاك بدني كبير بعد مباراة الأرجنتين وبعض الإصابات، وإن استحوذ المنتخب على الكرة بنحو 64% فهو استحواذ سلبي في مجمله، ورغم عدد تسديدات المنتخب الكبير فإن معظم التسديدات جاءت من خارج منطقة الجزاء، ولم تشكل خطورةً كبيرةً على مرمى تشيزني حارس بولندا، الذي تألق في التصدي لركلة جزاء سالم الدوسري نهاية الشوط الأول.

بقدر ما أظهر استمرار رينار بالضغط العالي وخط الدفاع المتقدم -كما حدث في مباراة الأرجنتين- شجاعةً كبيرة، بقدر ما منح المنتخب البولندي عددًا من الفرص والمساحات التي استغلها في الهدف الأول، قبل أن يسجلوا الهدف الثاني بعد خطأ من عبد الإله المالكي.
ولم يكن الأمر أفضل حالًا أمام المكسيك، فدخول المنتخبيْن برغبة ملحة في الفوز من أجل التأهل عرّضهما لضغط هائل، لكن المنتخب المكسيكي تعامل بطريقة أفضل، حيث استحوذ على الكرة ولم يمنح المنتخب السعودي الوقت الكبير عليها، وبعد نهاية الشوط الأول بالتعادل السلبي وبغياب واضح للحضور الهجومي للمنتخب السعودي، بدأ الشوط الثاني بهدف مبكر من كرة ركنية للمنتخب المكسيكي وبعد خمس دقائق فقط، أتى الهدف الثاني من ركلة ثابتة ليدخل المنتخب السعودي في حالة إحباط واضحة، ولم يغنِ هدف سالم الدوسري في الوقت بدل الضائع من حقيقة الخروج المبكر.
أثّر هذا الخروج بشكل واضح على ذهن رينار، ففي التوقف الدولي الأول بعد كأس العالم خسر المنتخب مباراتين وديتين أمام فنزويلا وبوليفيا ليقرر رينار فسخ عقده الذي استمر إلى 2027، ودفع الشرط الجزائي ليرحل لتدريب منتخب فرنسا للسيدات.
العودة مجدّدًا لتدريب المنتخب السعودي
في 26 أكتوبر 2024، أعلن الاتحاد السعودي عودة إيرفي رينار مدربًا للمنتخب خلفًا للإيطالي روبرتو مانشيني، ووصف رينار قراره بأنه: «عودة لإكمال القصة التي لم تنتهِ.»
جاءت عودة رينار في وقت عانى فيه المنتخب بشكل واضح على المستوى الفني والنفسي كذلك، فشابت فترة مانشيني كثير من المشاكل بينه وبين اللاعبين ومع ارتفاع أعمار اللاعبين الذين كانوا مع رينار في فترته الأولى، أصبحت المهمة الإضافية بجانب الجانب النفسي، هي التحضير لجيل جديد يقود المنتخب.
المفارقة هنا، أن مهمة رينار مع المنتخب الفرنسي للسيدات مشابهة لمهمته الجديدة مع المنتخب السعودي، إذ تولى مسؤولية المنتخب الفرنسي للسيدات بعد إقالة المدربة كورين دياكري نتيجة خلافاتها مع اللاعبات، وتعيّن قبل كأس العالم للسيدات 2023 مع اعتزال العديد من اللاعبات حينها.
بدأ رينار مهمته مع المنتخب السعودي في تصفيات كأس العالم بتعادل مخيب أمام أستراليا ثم خسارة مفاجئة أمام إندونيسا «2-0»، تبع ذلك أداءً متذبذبًا في كأس الخليج 2025 والخروج من نصف النهائي على يد المنتخب العماني، ثم أداءً أقل من المتوسط في الكأس الذهبية -رغم تخطيه دور المجموعات- أدى لخروجه أمام المنتخب المكسيكي في ربع النهائي.
وفي التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026، استمر الأداء المتذبذب بفوز بهدف وحيد أمام الصين ثم تعادل مع اليابان وفوز بهدفين أمام البحرين ثم خسارة أمام المنتخب الأسترالي، ليضطر المنتخب للعب الملحق ويتمكن من الانتصار أمام إندونيسيا ثم التعادل مع العراق.
الفوارق بين أداء المنتخب مع رينار في الفترة الأولى والفترة الثانية واضحة جدًّا، من ناحية نسب الفوز ومعدلات الأهداف المسجلة له وعليه، حيث تُظِهر الإحصائيات فارقًا واضحًا.

استمر رينار بالأفكار ذاتها، التي اعتمد عليها في فترته الأولى من ناحية الرسم ومن ناحية الأسلوب ومحاولة الاعتماد على المرونة التكتيكية، بيد أن الفارق كان في مرور المنتخب بمرحلة تغيير جلد للعدد من لاعبيه في العديد من المراكز، الأمر الذي أظهره بصورة متذبذبة في كثير من المباريات.

وما ميّز فترة رينار الثانية هو بحثه الواضح عن بناء جيل جديد للمنتخب، إذ أضاف العديد من اللاعبين الشباب تدريجيًا بدايةً من مصعب الجوير، ومروان الصحفي، وزياد الجهني، وفيصل الغامدي، وأيمن يحيى، ونواف العقيدي، ثم جهاد زكري، وصالح أبو الشامات، وغيرهم مع عدم إهماله جانب الخبرات كذلك.
من الناحية التكتيكية، اتضح استمرار الأفكار نفسها في البحث عن التوازن والاعتماد على تحليل نقاط ضعف وقوة الخصم، ولكن هذه المرة بدا المنتخب أقل شجاعةً مما كان عليه في فترة رينار الأولى.
ففي مباراة اليابان في طوكيو، أعاد رينار الأفكار الدفاعية ذاتها التي نفذها في مباراة أستراليا في سيدني خلال فترته الأولى، بالاعتماد على تخفيض مناطق الضغط والعودة لرسم 541 لإغلاق المساحات.

إلا أن الاختلاف الواضح جاء في عدم امتلاك المنتخب لأفكار هجومية واضحة كالتي كانت أمام أستراليا، ليخرج المنتخب بدون أن يسدد أي كرة على مرمى اليابان وهي المرة الأولى التي يفشل فيها المنتخب السعودي في التسديد على مرمى الخصم في مباراة ضمن تصفيات كأس العالم منذ تصفيات كأس العالم 2018.
بشكل عام، إن الأداء الهجومي للمنتخب هو النقطة السلبية التي برزت في فترة رينار الثانية ويبدو ذلك جليًا عندما ننظر لمعدلات التسديد والتسديد على المرمى بين الفترتين.

والانخفاض المرعب في معدل لمسات المنتخب داخل منطقة جزاء الخصم يوضّح أكثر مشاكل المنتخب الهجومية في فترة رينار الثانية.
حيث انخفض المعدل من 53.2 لمسة/90 دقيقة إلى 6.8 لمسة/90 دقيقة بنسبة قاربت 87.3%، وهو انخفاض حاد يمثّل أخطر مؤشر إحصائي على تراجع الأداء الهجومي لفترة رينار الثانية.

في الفترة الثانية، تجلى افتقاد المنتخب للّاعب القادر على ربط الخطوط ببعضها، وهو الدور الذي تمثّله سلمان الفرج بشكلٍ رائع في الفترة الأولى.

وربما ما يوضّح الفارق الذي يُحدثه غياب سلمان الفرج خلال الفترة الأولى لرينار مع المنتخب، مباريات مثل مباراة اليابان بتصفيات كأس العالم 2022 في طوكيو بداعي الإصابة.
فبمباراة اليابان، لعب رينار بالأفكار الدفاعية نفسها التي ظهرت في مباراة أستراليا في سيدني بدفاع متأخر ومحاولة اللعب على التحولات، ولكن هذه التحوّلات بدت صعبة جدًّا بغياب لاعب قادر على الخروج بالكرة تحت الضغط.


بالمقارنة مع هذه اللقطة من المباراة الودية للمنتخب السعودي أمام البرازيل في أكتوبر 2018، حيث إن ظهْر سلمان الفرج للملعب ومن خلفه انطلق لاعبان برازيليّان للضغط.
.png)
ولكنه بمهارة وسرعة بديهة تمكن من الخروج من هذا الضغط بكرة بكعبه وتحويلها إلى انطلاقة هجومية للمنتخب السعودي.
.png)
إضافة لذلك، فإن الانخفاض الحاد في كفاءة التحولات الهجومية من ناحية السرعة والجودة أفقدت المنتخب نقطة قوة كبيرة ساعدت أداءه الدفاعي، حيث باتت معظم هجمات المنتخب تتوقف عند حدود منطقة الجزاء، أو بكرات عرضية غالبًا ما تكون غير صحيحة.
يتضح ذلك عند مقارنة معدلات الجري بالكرة ونسبة نجاح التحولات، إذ انخفضت نسبة التحولات من 30% - 18.5%، وانخفضت نسبة نجاحها من 72.5% - 47.5%، فيما انخفض معدل الجري بالكرة من 37.5 - 20 محاولةً، وانخفضت نسبة نجاح الجري من 67.5% - 52.5%، في حين انخفضت مسافة الجري بالكرة من 475 متر - 240 متر.

هذه البيانات كلها توضح المشاكل التكتيكية لفترة رينار الثانية، ومع وضوح تأثير دخول بعض الأسماء الجديدة، مثل: مصعب الجوير وصالح أبو الشامات على جودة الربط بين الخطوط، إلا أن الأداء الهجومي لا يزال أقل مما كان عليه في الفترة الأولى.
الرحيل أم محاولة التحسين
ربما إعلان الاتحاد السعودي لاستمرار رينار على الأقل حتى بطولة كأس آسيا 2027 إعلان جازم بثقة إدارة المنتخب به، ولو نظرنا لذلك من الناحية الإيجابية فإن الفرنسي سيحصل على فترة إعداد ممتازة لاستمرار عمله مع المنتخب، وربما تجاوزه للمرحلة الصعبة في التصفيات، دليل على قدراته الذهنية الكبيرة في إضافة الحماس والرغبة والثقة لدى لاعبي المنتخب حتى الشباب منهم، وقد تبدو الجوانب التكتيكية معقدة بعض الشيء.
وقبل الحديث حول الحلول التكتيكية التي يجب أن يتوجه لها رينار، من المهم لفت الانتباه إلى ضعف تأثير اللاعبين المحليين هجوميًا في أنديتهم.
ففي الموسم الماضي، سجل لاعبو الوسط والمهاجمون السعوديون «98 هدفًا» بنسبة 13.8% فقط من إجمالي الأهداف المسجلة في الدوري للّاعبين في المراكز ذاتها، في حين سددوا «357 تسديدةً» على المرمى بنسبة 15.7% فقط من إجمالي التسديدات للّاعبين في المراكز ذاتها.
وفي الموسم الحالي حتى الآن سجل اللاعبون السعوديون «12 هدفًا» بنسبة 9.3% فقط من إجمالي الأهداف، وسددوا «38 تسديدةً» على المرمى بنسبة 10.3% فقط من إجمالي التسديدات.
توضّح هذه الإحصائية جانبًا من جوانب المشكلة الهجومية في المنتخب السعودي، حيث لا تعتمد الكثير من الأندية بصفة أساسية على لاعبين محليين في مراكز متقدمة من الملعب وغالبًا ما يحصل اللاعبون المحليون الذين يلعبون كمدافعين أو كلاعبي وسط دفاعيين على دقائق لعب أكثر منهم.
وإذا أخذنا هذه المشكلة بعين الاعتبار، فعلى رينار محاولة تحسين الأنماط الهجومية، فمع قدرة المنتخب على الاستحواذ على الكرة إذ بلغ المتوسط العام للاستحواذ 72.6%، فإنه غالبًا ما يكون استحواذًا سلبيًا دون الكثير من التمريرات المباشرة، الأمر الذي أنتج انخفاضًا في معدلات التسديد -كما سبق وأن تحدثنا-.
ضربنا مثالًا في مباراة اليابان الأخيرة في طوكيو والتي انتهت بالتعادل «0-0»، ولكن هذه المشكلة تتكرر حتى أمام منتخبات أقل مثل المنتخب الصيني، ومع الطرد المبكر للياقمينق لي لاعب المنتخب الصيني، فإن المنتخب السعودي عجز عن إحراز أكثر من هدف وحيد.
كما أن الخسارة أمام المنتخب الإندونيسي بهدفين دون مقابل مثال آخر كذلك، حيث لم يستطع المنتخب خلق الكثير من الفرص، وكان من السهل على دفاع إندونيسيا التعامل مع بطء الهجوم السعودي.
وربما الأمر المقلق هنا من الناحية الهجومية أن هذه المشاكل مكررة مع رينار سواءً في مرحلته الأولى أو الثانية، بل وحتى في مشواره مع المنتخب المغربي الذي يزخر بعدد من الأسماء المميزة.
ففي كأسَيْ الأمم الأفريقية 2017 و2019 التي لعبها مع المنتخب المغربي، خرج في الأولى من ربع النهائي وفي الثانية من دور الـ16. فكان افتقاد المنتخب المغربي للأنماط الهجومية واضحًا جدًّا، فمعدل الأهداف لم يجتز 1.1 هدف/90 دقيقة رغم امتلاك المغرب لأسماء هجومية مميزة، واتضحت الصعوبة الكبيرة التي يتعرض لها المنتخب المغربي في تفكيك الدفاعات المتكتلة، وإن اعتمد رينار على أكثر من رسم بين 343 و 352 و 433 و 4231 إلا أنه لم يكن قادرًا على أن يكون مهيمنًا من النواحي الهجومية، فأنماط المنتخب قليلة هجوميًا، والاعتماد الأكبر على الجودة الفردية.
وبجانب المشاكل الهجومية، فالشكل الدفاعي للمنتخب يحتاج لأن يتطور بصورة أفضل، فرغم اهتمام رينار بهذا الجانب بشكلٍ واضح فإن عليه الحرص أكثر على مسألة الدفاع في الكرات الثابتة، مع تنظيم أفضل للضغط وتحسين الدفاع ضد الكرات العرضية.
الخلاصة
في تدريب المنتخبات يُنظر عادةً لقدرات المدرب النفسية والذهنية بصورة أكبر قليلًا من النواحي الفنية.
ولو ضربنا مثالًا واضحًا سيكون الفارق بين رينار ومانشيني؛ فالإيطالي مع تمتعه بإمكانيات فنية عالية إلا أن عدم قدرته على التواصل مع لاعبي المنتخب قلّل من قدرتهم على قبول تعليماته والثقة به، في المقابل من الواضح جدًّا في فترتي رينار قدرته المميزة على التواصل مع اللاعبين وتحفيزهم، إضافةً إلى محبة اللاعبين الكبيرة له والتي تجعلهم منفتحين على أية تعليمات يطلبها.
السيناريو الأوضح الآن، هو استمرار رينار مدربًا للمنتخب حتى 2027، لذلك من المهم -باعتقادي- أن يقوم الاتحاد السعودي بتعزيز الجهاز الفني بمساعدين متخصصين في الدفاع والهجوم والكرات الثابتة (وقد ظهرت أخبار سابقة عن إمكانية انضمام نيكولاس قوفر مدرب الكرات الثابتة الشهير لنادي أرسنال للمنتخب السعودي خلال فترات التوقف الدولية)، كما أنه يجب على رينار تثبيت أسماء أساسية في قادم المباريات كعمود فقري، ولا يكون التغيير إلا على نطاق ضيق مع استمرار منح المزيد من الأسماء الفرص لتقييم أدائهم العام.
من المهم أيضًا أن يطوّر الاتحاد السعودي منظومة تقييم شاملة للأداء الفني تتجاوز مجرد النتائج لتشمل مؤشرات الأداء التكتيكي والبدني، ووضع خطط بديلة في حال عدم تحقيق النتائج المطلوبة، مع محاولة دمج لاعبي منتخب الشباب بطريقة مناسبة.
أخيرًا، المرحلة الحالية في المنتخب السعودي لا تبدو قابلةً للمجازفة خصوصًا مع بقاء أقل من عام على كأس العالم، لذلك من الصعب التفكير في مدرب ما بإمكانه قيادة المنتخب من الآن وحتى كأس العالم، فحتى بداية المونديال هنالك ثلاثة توقفات دولية بإجمالي 27 يومًا فقط، وهو عدد قليل من الأيام لا يمكن من خلاله أن يحصل المدرب الجديد على الوقت الكافي للتعرف على اللاعبين وإمكانياتهم بطريقة مناسبة.
لذلك، يبدو الاستمرار على رينار منطقيًا في الوقت الحالي، مع عدم إغفال جانب المتابعة والتدقيق من الاتحاد السعودي لأهدافه المعدة للمنتخب.

نشرة أسبوعية تجيب عن الأسئلة الكروية بلغة الأرقام والإحصاءات، وتناقش قضايا تتجاوز أحداث الجولة، وتغوص في تفاصيل الفرق والمدربين. سؤال واحد في كل عدد، وإجابات تكشف الصورة الكاملة.