لماذا أقدس الردود؟
أقدس أهمية «الرد»، وصار هذا التقديس ينعكس على أي رسالة أو اتصال يصلني سواءً كان ضمن عملي أو خارجه، فأحاول دائمًا ألّا أترك أي رسالة دون رد.
تقييم المحتوى وتقديره أمر نسبي ومتباين من شخص إلى آخر، ويختلف الأمر قليلًا إذا كنتَ تعمل في قطاع يصنع هذا المحتوى، فنحن نتعرض له يوميًّا وباستمرار؛ فيتأثر تقييمنا له لأننا مررنا على مراحل إعداده مرحلة تلو مرحلة.
ما سلف ليس تمهيدًا لتدوينة عن إعداد المحتوى وإنتاجه، بل مقدمة لما يمر عليَّ باستمرار عند نشر حلقة جديدة من «بودكاست سقراط»، فدائمًا ما يُقدِّم محيطي التقييمات والنصائح والمقترحات؛ ما يجعل «محتوى الحلقة» تحديدًا محورَ الحديث دومًا.
أما عنّي، فقد أعددت أكثر من 100 حلقة منذ 2019، واطلعت على جميع وثائق رؤية 2030 بنسخها السابقة والمُحدّثة، وتشربت زخمًا من المعلومات والأرقام لقطاعات مختلفة، وتواصلت مع المتخصصين وغير المتخصصين لغرض ملف الإعداد، وأتلقى باستمرار ملاحظات تطويرية من عمر الجريسي «رئيس التحرير»، وعلى الرغم من تراكم هذه الخبرة ما زالت كل حلقة إلى اليوم اختبارًا أنتظر نتائجه بعد العرض، وما زلت أسأل السؤال نفسه لرئيس التحرير بعد كل حلقة: «عمر، كيف شفت الحلقة؟»، وألتفت إلى فريق التصوير «كيف كانت الحلقة؟»، وهذا بالطبع جزء من المتعة.
ولكن الجزء المثير في اكتشافه كل مرة والذي يكمل المتعة: كيف أنجزت هذه الحلقة اتصاليًّا؟
في كل مرة أبدأ التواصل مع أي جهة جديدة، وإلى أن ننتهي ويخرج ضيفنا من موقع التصوير، أضع تقييمي الشخصي للعملية الاتصالية كاملةً، فأجد جهات يغلب عليها العمل التقليدي، وبطبيعة الحال أتوقع أن يكون تواصلها تقليديًّا أيضًا، فيفاجئني ضابط الاتصال بيننا أنه الأسرع والأكثر تجاوبًا والأكثر تفهمًا، لدرجة قد تصل إلى عقد أكثر من اجتماعين أو ثلاثة للحديث عن كيفية سير هذه الحلقة، إضافةً إلى المستندات الأنيقة التي تصل ملخصًا فيها الإنجازات والتطورات حتى وإن لم نطلبها، وباب التساؤلات المفتوح والشخص الذي يقف خلفه جاهزًا للرد عليها، وهذا حقيقةً يجعل عملي على الإعداد أكثر حماسةً، لكوني أجد الطرف الآخر موازيًا لي في الحماسة.
وخلافًا لما اعتقدته من أن العملية الاتصالية ستكون الأمثل، وجدت أن التواصل قد يمتد أشهرًا دون تحديث، ويعقبه رسائل للتذكير والتكرار بالهدف الأساسي، وينتقل التواصل من شخص لآخر إلى أن تولد الحلقة، وقد تُسجَّل الحلقة ولم تتجاوز الأحاديث بيننا «تنسيق موعد، وإفادة بتاريخ نشر الحلقة»، وقد لا تولد بالأصل لأنه لم يصل رد، وهذا بالطبع لا ينفي الهدف الأساسي؛ «إنتاج حلقة» مهما كانت الصعوبات، ولكن ينقلني لتجربة شخصية علمتني أن الطرف الآخر قد لا يكون من أولويات الطرف الأول في العملية الاتصالية، وهذا نمط العمل الإعلامي وغير الإعلامي، فله كامل الحق بأن يكون متجاوبًا أو لا، ولكن ما أراه شخصيًّا أمرًا ضروريًّا الردُ مهما كان شكله، والأهم «الفوري»، لأن عامل الزمن مهم، فالرد الذي يصل إليك خلال أسبوع لا يشبه الرد الذي يصل بعد أسابيع، ولا يشبه التجاهل التام بين أي طرفين بغض النظر عن نتائجه.
وهذا جعلني لا إراديًا أقدس أهمية «الرد»، وصار هذا التقديس ينعكس على أي رسالة أو اتصال يصلني سواءً كان ضمن عملي أو خارجه، فأحاول دائمًا ألّا أترك أي رسالة دون رد، والجزء الأكثر ارتباطًا بعملي وتخصصي «الاتصالي» أني وقفت على سمات التواصل في أكثر من 100 جهة حكومية وخاصة؛ ما غيّر لديَّ النظرة الشمولية بأن الجهاز الناجح عمليًّا لا يعني نجاحه تواصليًّا مع الأطراف الآخرين، والجهاز التقليدي الذي نعتقد بأن خلفه أشخاص تقليديون أيضًا قد يكونون الأنجح في ضبط عمليات الاتصال، ونجاح المؤسسة أو المنظومة في التواصل مع الآخر، حتى وإن لم يكن من أولوياتها، جزءٌ من نجاحها اتصاليًّا.
كما أني توقفت عن التنبؤ حتى أستمتع بعنصر المفاجأة!
ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.