الرواية المازنية العظيمة

تسحرني فكرة الخلق الإبداعي منذ طفولتي. كنت أدرس نهارًا، وأعمل في المساء على إنهاء الرواية المازنية العظيمة.

إذا كنت متابعًا للأفلام، فأنت غالبًا تعرف مصطلح «الرواية الأميركية العظيمة»، الذي يستخدم أحيانًا للتعبير عن الطموحات الإبداعية التي لم تنته أو تُنشر بعد.

تجد شخصياتٍ فلمٍ ما يسخرون من صديقهم الكاتب الذي لم يقرأوا له شيئًا، فيقولون:

يعمل نهارًا في التسويق، وفي المساء يعمل على إنهاء الرواية الأميركية العظيمة.

كنت أرى نفسي في هذا الصديق المسكين.

تسحرني فكرة الخلق الإبداعي منذ طفولتي، وفي المرحلة الثانوية أصبحت أدوّن أفكارًا لمقالاتٍ وروايات ونصوص سينمائية عزمت أن أكتبها، لتبقى حبيسة ملفات المفكّرة دون أن تنتهي أو تُنشر. كنت أدرس نهارًا، وأعمل في المساء على إنهاء الرواية المازنية العظيمة.

لكني لم أتحول تمامًا للصديق المسكين عند توظّفي. بحكم عملي في الكتابة الإبداعية، فأنا أعمل ليل نهار على كتابة رواياتٍ عظام. الفرق هنا أنني أصبحت أنهي الأشياء، ولو كراهيةً، بفضل «خطوط الموت»، أو مواعيد الإنهاء، التي تلاحقني يوميًا.

منذ الحلقة الأولى اللي كتبتها في فنجان، وتسليم النصوص يشعرني بخيبة الأمل. عندما جاءت الفكرة، كنت أطمح لصناعة شيءٍ عظيمٍ يحوز الانتباه ويغيّر القناعات، والعالم. ثم في الساعات التي سبقت تسليم النص، كان حتمًا علي قبول الحقيقة المرّة، وهي أنّي في أفضل الأحوال سأنتج شيئًا جيّدًا به بعض العيوب.

تكرر هذا الشعور مع كل ما أنتجت: مقالة الغضب الأخلاقي، وافتتاحية أشياء غيرتنا، وحتى قبل دقائق، تسليم نص الحلقة الأولى من بودكاستٍ جديد. لا أذكر عملية إنتاجٍ انتهت بيَ سعيدًا. فلو كان القرار بيدي، لما سلّمت نصًا أبدًا.

لكنّي بطبيعة الحال عندما أرى القيمة الضخمة التي تأتي من الإنتاج المستمر، حتى لو كان متواضعًا. في خريف 2017، عندما كتبت «خلود الثقافة» المعتمد كليًا على مصادر أجنبية، لم يكن يخطر ببالي أنّي سأنتج بعدها بسنواتٍ إنتاجات أصيلة، تعتمد كليًا على مقابلاتٍ أُجريها بنفسي، ونصوص اقرأها بصوتي.

ربما هذه ضرورة «خطوط الموت» تلك، دونها سأكون عالقًا في النص الأول، أتخيّله مثاليًا.. عظيمًا، «أعمل على إنهائه» دون نهاية. 

النشرة السرّية
النشرة السرّية
أسبوعيّة، الأحد منثمانيةثمانية

ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.